ليس العيب في الشتاء/ محفوظة زروق
أرى وزارة الصحة تستقبل الشتاء بوجه عبوس و تحط عليه كل اللوم و هو مجرد عابر سبيل شأنه شأن غيره من الفصول. الشتاء هو السكينة، حين تعمد الماعز إلى ركن آمن عند شعورها بقرب موعد الولادة في الوقت الذي تلعق أخرى الجدي و هو مازال مربوطاً معها بالحبل السري، تحت ضوء قمر محاط بنجوم تتلألأ كجواهر تُرصع السماء في سكون شاء الله ألا يكتمل إلا بتأمل خيط بخور يتلوى داخل الخيمة و صوت احتراق أعواد الحطب القادم من مشارفها مع استرخاء تام مستعينة بالبطانية تحت خيمة منصوبة بوادي ذي زرع، يتسرب البرد إلى رماله اللامعة كذرات الذهب الصافي في هدوء طويل لا يخلو من أصوات حشرات الليل و حيواناته. الشتاء هو أنسب وقت للتقرب من الله لقصر يومه للصيام و طول ليله للقيام و هو الأغطية الدافئة في جنح الليل الطويل حين يراقص النسيم البارد أغصان أشجار يفوح منها شذى الياسمين …و هو الألعاب النارية الكثيفة و طقوس أعياد الميلاد و أصناف و أمزجة العطور الفواحة من شارع الأليزيه حيث اكتشفتُ لأول مرة أن العطر الشتوي العدواني يكون مسالما إذا علقت رائحته بمعطف من الصوف. الشتاء رفيق مزاج كل مدمن على صوت فيروز و سيدة الدفء السمراء التي تبث عبيرها في الأرجاء لتصنع أجمل صباح شتوي لرواد المقاهي المصطفة جنب بعضها البعض في مدن العالم …
لكني رغم حب الأسبريسو الذي يسري في أوردتي لا أتشبث بفنجان قهوتي إلا حين تكتظ مخازن روحي بأشياء لا تقدر عليها كؤوس الشاي. كان من الأحرى بوزارة الصحة أن تصرخ بصوت مرتفع قائلة أن نواكشوط ليست بصحة جيدة بدل أن تحاول انتزاع شغفنا بالشتاء الذي منّ الله علينا بأعين تلتقط جماله و قلوب تتأمله! أحتاج إلى قلم و المزيد من الأوراق، أشعر برغبة في البكاء لأن نواكشوط حسب ما أرى ليست على ما يرام!
أحييكم من قارعة الطريق التي تعهد- في لحظة مفصلية من تاريخنا- رئيس الجمهورية ألا يترك عليها أحدًا و أنجز حر ما وعد حين هرب من كانوا عليها عبر حائط المكسيك لأن قارعة الطريق لم تعد تسعهم في وجود جيش عرمرم من الأفارقة، يتحدثون بلغات غريبة و أصوات مرتفعة …
حاولتُ أن أعدهم كما يعد البخيل نقوده لكني أخشى أن يصيبني الإحباط بعد أن أتأكد أن عددهم يفوق بكثير عدد مهاجرينا إلى آمريكا ثم إن التأمل في تصرفاتهم صرفني عن عدهم. شاهدتُ واحداً يسد إحدى مناخره الفسيحة بسبابته و قام باخراج زفير قوي كانت رمالنا ضحيته، و ضحية أصوات غريبة يصدرها جاره لإخراج البلغم من صدره تارة و تارة يخرج البلاوي المترسبة داخل أنفه بأطراف أنامله دون استعمال مناديل ورقية، أما الثالث فقد استقبل القبلة ليصدر كمية هائلة من البول الرغوي المائل إلى الصفرة عجزت رمالنا عن امتصاص فقاعاته و ما إن شاهدته حتى همس الضمير إليّ بأن هذه الأرض تستحق التضحية و أن أجيال المستقبل تنظر إليّ فأرغمتُ نفسي على ابتسامة صفراء- كالفقاعات التي تركها في مهب الريح يتنفسها المارة لتتسبب في الكثير من الأمراض- و طلبتُ منه أن يسكب الماء على بوله فكانت النتيجة أن الحمد لله على أنني ما زلتُ حية أرزق!
أفعال فاضحة تُرتكب في وضح النهار و في مركز العاصمة من طرف الأجانب و المواطنين على حد السواء دون أن تحرك وزارة البيئة ساكنا كأن المشرع لا يعتبرها جريمة في الوقت الذي تتحدث الحكومة عن مشروع عصرنة هذه المدينة المقهورة التي تحيل التعاطف معها إلى درب من الخبل! اعذروني أحبتي فقد أطلتُ عليكم دون جدوى و ختام المسك أن اللهم بلغنا العام الجديد و نحن لا نشكو هماً و لا حزناً و أجبرنا جبراً يتعجب منه أهل الأرض و أن المجد للشتاء رغم فشله هذه المرة في أن يجعلني سعيدة و كل عام و أنتم بخير .