كل لحظة هي نهاية عام مضى/ المرتضى محمد اشفاق
الحقيقة أن كل لحظة هي نهاية عام مضى وبداية عام جديد، ويعسر تمييز المسافة الزمنية الفاصلة بين الزمنين لأن الزمن لا يتوقف لنعرف البداية من النهاية، واللحظة لا تتكرر..ففاتح اكتوبر هو نهاية عام وبداية عام، والعاشر يوليو هو نهاية عام وبداية عام، تماما مثل فاتح يناير الذي تواضع الناس على تسميته رأس السنة الجديدة..
ويمضي قطار الزمن بمحطات إلهائه للراكبين عن نهاية رحلة الإنسان الوجودية..رحلة نهايتها الموت، والقبر، وحياة برزخية شديدة الأهوال..
في طريقنا إلى الموت محطات مثل محطات سفرنا بين مدينتين..بين المدينتين نتوقف عند المكان كذا لنشرب شايا، وعند المكان كذا لنأكل لحما، وعند المكان كذا لنزيد وقود السيارة، أشياء ننخدع بها ونزعم أنها تقصر الطريق، والحق أن الطريق لا يقصر، بل نغيب نحن عن ضجر السفر بمحطات الإلهاء..
وفي رحلتنا إلى القبر محطات إلهاء أشد، مسكرة، ومخدرة، تجعلك تغيب كليا عن سرعة القطار، وعن أهوال نقطة الوصول..من محطات الإغراء تسليتك بالمتع، والمناصب، والأموال، والسلطان، وإذا أنت غارق بين أموالك تفعل منها ما تشاء، أو في وزارتك وسلطانك تولي وتعزل، وتتصرف تصرف الذي لا يزول ملكه، ولا يدال سلطانه…وفي غفلة من المحطات المختلفة يتوقف القطار، وينزل السفْر، لا فرق بين أمير وخفير، بين ماسح أحذية ورئيس، بين غني وفقير، بين أمي وعالم، يساق الكل إلى حفرته..وتتحول نقط الاستقطاب الصاخبة إلى خبر بالموت، ثم إلى صمت أبدي، ويجف حلق الزمان من ذكر الراحلين الكبار كأنهم لم يكونوا من قبل شيئا مذكورا..