آراء
“أيقونة” العبودية..
“التايم” الأمريكية تختار زعيم حركة “إيرا” بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ضمن المائة شخص الأكثر تأثيرا في العالم، وتصنفه تحت خانة “الأيقونات”، إلى جانب نيمار، لا عب فريق برشلونة الإسباني، وليلى دي ليما عضو مجلس الشيوخ في الفلبين والمعارِضة الشرسة للرئيس الحالي رودريغو دوتيرتي، ووزيرة العدل الغامبية السابقة فاتو بنسوودا ، التي ترأس حاليا لجنة التحقيقات والمتابعات القضائية بمحكمة العدل الدولية..
جميل أن تدرج مجلة عالمية شخصية موريتانية على قائمتها لأكثر 100 شخص تأثيرا في العالم.. لكن ما هو التأثير الذي جعل بيرام يتبوأ هذه المكانة ؟
المجلة قالت في نبذة قصيرة، مصحوبة بصورة زعيم “إيرا”، إن بيرام أسس حركته في عام 2008، واستطاع أن يكسر الصمت الرسمي الذي يساهم في استمرار العبودية في المجتمع، من خلال عدد من التكتيكات “السلمية” مثل المظاهرات، والاعتصامات، والإبلاغ عن حالات العبودية، و مساعدة الضحايا.. وهذه طبعا معلومات غير دقيقة تماما، فأغلب تحركات “إيرا” وأنشطتها تهدد السلم المجتمعي، ولا تخدم المصلحة العامة للشعب.. أما قضية “مساعدة الضحايا”، والمقصود هو ضحايا العبودية، فلا تحتاج كبير عناء لتفنيدها..
المجلة قالت أيضا إن بيرام من فئة الأرقاء السابقين، لكنها وقعت في تناقض غريب، عندما ذكرت أن “جدته” هي التي وقع عليها الرق، مما يعني أن أمه وأباه لم يسترقا.. مشيرة إلى أن بيرام كان يشاهد، وهو طفل في الثامنة من العمر “الأسياد” وهم يضربون شباب “العبيد” المسالمين وينكلون بهم، فقرر منذ ذلك اليوم أن يقاوم الظلم الواقع على بني جلدته..!!
ما لا تعرفة “التايم” هو أن بيرام لم يكن شيئا مذكورا قبل بضع سنين، وتحديدا في عام 2008، عندما بدأ، وهو كاتب الضبط المغمور الذي عين في نفس السنة عضوا باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في الحضور شيئا فشيئا في وسائل الإعلام وبعض غرف “بالتوك” على الإنترنت، قبل أن تسخر مواقع إلكترونية معروفة نفسها لخدمته وتتبرع بتتبع أخباره ونشر تفاهاته، ثم تمن عليه بلقب “الحقوقي”، لتتضخم شخصيته بعد ذلك و”تتورم” كما تنمو الفطريات، حتى وصل إلى ما وصل إليه.. بينما ظلت الحكومة تتعاطى مع ظاهرته بمواقف تتراوح بين الشدة واللين، والممالأة أحيانا.
لم يكن بيرام يوما “سلميا” في تعاطيه مع قضايا “العبودية”، بل كان يعتمد على الإثارة، سواء بالكلام أو بالفعل.. ولم يؤثر عنه أيضا أنه قدم مساعدات لضحايا العبودية، واسألوا إن شئتم “آدوابه” في كل مكان ، بل استغل “القضية” لتلميع نفسه، والبحث عن الشهرة ، بعد يئس من الحصول على منصب في الحكومة..
قضية “العبودية” في بلادنا قضية عادلة، ومن حق الأرقاء السابقين الحصول على حقوق متساوية مع بقية المواطنين، لكن يجب الاعتراف أيضا بأن “العبودية” لم تعد موجودة بالمستوى الذي يروج له بيرام حاليا وأنصاره في “إيرا”..
“العبودية” ستظل المطية الذلول لكل “حرطاني” يريد الثراء السريع والسمعة في العالم، بينما سيبقى “بسطاء” الأرقاء السابقين على حالهم .. فقبل برامه، جنى مسعود ولد بلخير وبوبكر ولد مسعود وبريكة ولد امبارك واسغير ولد امبارك وغيرهم ثمار “مكافحة العبودية” دانية، ثم تخلوا عن الشعارات الرنانة بعد أن حققوا المطلوب، وليسيرن بيرام على نهجهم حذو القذة بالقذة، وهذا ما يجب أن يدركه بسطاء “الحراطين” ولا ينخدعوا بشعارات بيرام ولا بخطاباته العاطفية..
بيرام ليس “أيقونة” نضال ، كما تريد “التايم” تقديمه للعالم.. المناضل الحقيقي يجب أن يكون قريبا من أنصاره، متواضعا لهم، ويقدمهم على نفسه، كما فعل غاندي وتشي جيفارا ونيلسون مانديلا، لا أن يحيط نفسه بحرس شخصي من الأشداء، ويركب أحدث السيارات، ويسكن القصور الفاخرة.. إنما “الأيقونة” هي العبودية نفسها، بل هي “تميمة” الحظ لكل من أزرى به زمانه..
يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية منحت بيرام جائزة “أبطال الكفاح” في يوليو 2016، وسلمها له وزير الخارجية جون كيري بنفسه على هامش صدور تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص “الاتجار بالبشر” في العالم.. فماذا تريد الولايات المتحدة من بيرام ؟ وماذا يريد هو منها ؟.. وبكل تأكيد فإن الطرفان لا يريدان مصلحة “العبيد” و لا “البيظان”، ولا موريتانيا..
أحمد فال محمد آبه