آراءموضوعات رئيسية
هل التسول ضرورة أم اختيار؟ إسماعيل ولد محمد يحظيه الحسن

التسول ليس مجرد يد ممدودة، بل هو مرآة مشروخة لمجتمع بأكمله.
أحيانا يُقذف بالإنسان الى قارعة الحياة بدون مظلة : فقر مدقع، بطالة، تشريد، إعاقة، ترمل، يتم، تسرب مدرسي مبكر، أو دولة عاجزة عن كفالة الأضعف من رعاياها، في هذه الحالة يكون التسول أشبه بصرخة استغاثة ضرورية.
وهناك على ناصية الطريق تتدلى كرامة الإنسان وإباؤه من كفٍّ مرتجفة كأنها راية استسلام بيضاء، او سوداء-لا فرق- تلوّح بها البشرية لنفسها، إنسان بلا ظل، عيناه ليستا للسؤال، بل للعتاب كأنما يقول : ما الذي جعلني أتسول الحياة منكم؟ أليست الأرض واحدة؟
هل أنا على كوكب آخر؟ وفي الركن المقابل طفل يتقن دمعة تنهمر بإشارة، وامراة تحفظ كل ملامح التعاطف وتستدعيها كما تستدعي الممثلة دمعتها، في هذه الحالة يكون التسول أشبه بصرخةِ ركون واستكانة، ونحن ندرك بأدنى جهد أن المتسول رغم المذلة لا يفعل ذلك إلا وقد ضاقت به السبل وانسدت عليه الأبواب. وما بين الإضطرار والاحتيال تضيع الحقيقة، ونبقى حينها نوزع الصدقات، لا لِنُعين بل لنتخلّص من ثقل الشعور بالذنب، وإلى هذا الشعور أيضا يدفعنا المتسول بحذقه ليوهمنا بأنه لم يُقْدم على التسول إلا اضطرارا وليس اختيارا، لكن وضعيته تبدو لنا أقرب الى الإختيار!!
لماذا؟ بعض المتسولين يتخذ من التسول مهنة فيصبح محترفا في فنون التسول: يتقن تمثيل العاهات، يتخير أرَثَّ الأسمال، وأحطَّ الأحذية، ينسج القصص الكاذبة، يكوّن شبكة تُدر عليه اكثر مما يكسبه الكادح، يعرض أكبر عدد من ذوي الإحتياجات الخاصة بمن فيهم أطفال،مما يثير شفقة الناس ويُدمي قلوبهم. هنالك نكون أمام إدمان على الكسب المجاني، والتكاسل المُقنّع، وأحيانا أمام احتيال بالغ التنظيم.
إذن ما هو العلاج؟ العلاج لا يكون في المتسوِّل وحده، بل في المجتمع الذي أنتجه. وعلى الدولة :
–إنشاءُ منظومة حماية اجتماعية فعالة :
— كفالة
— تأمين
— سكن
— علاج
— برامج تدريب وتشغيل
— رقابة صارمة على شبكات التسول المنظم.
— وعي نقدي لا يُخلط فيه بين المحتاج الحقيقي وال محتال.
وهكذا يبقى التسول مرآة مشروخة تعكس وجها من وجوه هشاشتنا الاجتماعية، بين من سقط مضطرا على قارعة الحاجة، ومن اتخذ من المسكنة حرفة تدر اكثر مما تدره الحِرف، وهي ضرورة أليمة حين يَخذل المجتمعُ ضعفاءَه، واختيارُُ مرٌُّ حين يتنازل الإنسان عن كرامته طواعية ليستعذب دُريهمات الشفقة، لكن الجواب الحق لا يكون في محاكمة المتسول وحده، بل في مساءلة المنظومة التي تنتج التسول، وتعيد تدويره جيلا بعد جيل، فإن كان في اليد دواء فلنبحث عنه في العدل قبل الصدقة، وفي الكرامة قبل الشفقة، وفي الوقوف جنبا الى جنب لا فُرادى نرمي الفُتات ثم نمضي.
وأخيرا.. وحتى ننصف إخواننا المتسولين، أضيف أن أشكال التسول عندنا لا تقف عند صورته الفجة المعهودة لديهم فقط، بل تتلون وتتلثم فتظل أحيانا تحت مسميات اكثر نعومة، وأقل صدمة للذوق العام ألا وهي : “السؤال”أو “الطَّلْبَ” التي يجللها الطمع بثياب الوقار والأبهة، فتسمى سؤالا لا تسوُّلا، أو “ترْكَابْ غَايَ منْ لغْوَايَ” لا صدقة من الصدقات، ويتجاهل صاحبنا أن في مدِّ الكف — كيفما سُمي– ما يوحي بتعلق القلب بغير مولاه!!! وان الحياء منه أولى من التجمل له، وهنا ينكشف البعد الروحي للظاهرة حيث لا يقاس الأمر فقط بحال اليد، بل بحال القلب، وما علق به من أدٰران.
……………
والى لقاء في دردشة قادمة ان شاء الله..
…………….
إسماعيل ولد محمد يحظيه الحسن.
أحيانا يُقذف بالإنسان الى قارعة الحياة بدون مظلة : فقر مدقع، بطالة، تشريد، إعاقة، ترمل، يتم، تسرب مدرسي مبكر، أو دولة عاجزة عن كفالة الأضعف من رعاياها، في هذه الحالة يكون التسول أشبه بصرخة استغاثة ضرورية.
وهناك على ناصية الطريق تتدلى كرامة الإنسان وإباؤه من كفٍّ مرتجفة كأنها راية استسلام بيضاء، او سوداء-لا فرق- تلوّح بها البشرية لنفسها، إنسان بلا ظل، عيناه ليستا للسؤال، بل للعتاب كأنما يقول : ما الذي جعلني أتسول الحياة منكم؟ أليست الأرض واحدة؟
هل أنا على كوكب آخر؟ وفي الركن المقابل طفل يتقن دمعة تنهمر بإشارة، وامراة تحفظ كل ملامح التعاطف وتستدعيها كما تستدعي الممثلة دمعتها، في هذه الحالة يكون التسول أشبه بصرخةِ ركون واستكانة، ونحن ندرك بأدنى جهد أن المتسول رغم المذلة لا يفعل ذلك إلا وقد ضاقت به السبل وانسدت عليه الأبواب. وما بين الإضطرار والاحتيال تضيع الحقيقة، ونبقى حينها نوزع الصدقات، لا لِنُعين بل لنتخلّص من ثقل الشعور بالذنب، وإلى هذا الشعور أيضا يدفعنا المتسول بحذقه ليوهمنا بأنه لم يُقْدم على التسول إلا اضطرارا وليس اختيارا، لكن وضعيته تبدو لنا أقرب الى الإختيار!!
لماذا؟ بعض المتسولين يتخذ من التسول مهنة فيصبح محترفا في فنون التسول: يتقن تمثيل العاهات، يتخير أرَثَّ الأسمال، وأحطَّ الأحذية، ينسج القصص الكاذبة، يكوّن شبكة تُدر عليه اكثر مما يكسبه الكادح، يعرض أكبر عدد من ذوي الإحتياجات الخاصة بمن فيهم أطفال،مما يثير شفقة الناس ويُدمي قلوبهم. هنالك نكون أمام إدمان على الكسب المجاني، والتكاسل المُقنّع، وأحيانا أمام احتيال بالغ التنظيم.
إذن ما هو العلاج؟ العلاج لا يكون في المتسوِّل وحده، بل في المجتمع الذي أنتجه. وعلى الدولة :
–إنشاءُ منظومة حماية اجتماعية فعالة :
— كفالة
— تأمين
— سكن
— علاج
— برامج تدريب وتشغيل
— رقابة صارمة على شبكات التسول المنظم.
— وعي نقدي لا يُخلط فيه بين المحتاج الحقيقي وال محتال.
وهكذا يبقى التسول مرآة مشروخة تعكس وجها من وجوه هشاشتنا الاجتماعية، بين من سقط مضطرا على قارعة الحاجة، ومن اتخذ من المسكنة حرفة تدر اكثر مما تدره الحِرف، وهي ضرورة أليمة حين يَخذل المجتمعُ ضعفاءَه، واختيارُُ مرٌُّ حين يتنازل الإنسان عن كرامته طواعية ليستعذب دُريهمات الشفقة، لكن الجواب الحق لا يكون في محاكمة المتسول وحده، بل في مساءلة المنظومة التي تنتج التسول، وتعيد تدويره جيلا بعد جيل، فإن كان في اليد دواء فلنبحث عنه في العدل قبل الصدقة، وفي الكرامة قبل الشفقة، وفي الوقوف جنبا الى جنب لا فُرادى نرمي الفُتات ثم نمضي.
وأخيرا.. وحتى ننصف إخواننا المتسولين، أضيف أن أشكال التسول عندنا لا تقف عند صورته الفجة المعهودة لديهم فقط، بل تتلون وتتلثم فتظل أحيانا تحت مسميات اكثر نعومة، وأقل صدمة للذوق العام ألا وهي : “السؤال”أو “الطَّلْبَ” التي يجللها الطمع بثياب الوقار والأبهة، فتسمى سؤالا لا تسوُّلا، أو “ترْكَابْ غَايَ منْ لغْوَايَ” لا صدقة من الصدقات، ويتجاهل صاحبنا أن في مدِّ الكف — كيفما سُمي– ما يوحي بتعلق القلب بغير مولاه!!! وان الحياء منه أولى من التجمل له، وهنا ينكشف البعد الروحي للظاهرة حيث لا يقاس الأمر فقط بحال اليد، بل بحال القلب، وما علق به من أدٰران.
……………
والى لقاء في دردشة قادمة ان شاء الله..
…………….
إسماعيل ولد محمد يحظيه الحسن.