canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

إعادة ترتيب المجتمع قبل فوات الأوان في ضوء مقولة المهدي المنجرة / قاسم صالح

يشكل المفكر المغربي المهدي المنجرة أحد أبرز العقول العربية التي نبهت مبكرا إلى خطورة اختلال سلم القيم في المجتمعات العربية. ومن أعمق مقولاته قوله
(أعيدوا ترتيب المجتمع قبل فوات الأوان المعلم قبل اللاعب، والباحث قبل الممثل، والطبيب قبل المغني، والعالم قبل الراقصة).
هذه العبارة تختصر رؤية حضارية متكاملة تدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات المجتمعية، بحيث تمنح المكانة الحقيقية لأولئك الذين يسهمون في بناء الإنسان وتنمية وعيه ومعرفته، قبل الذين يقدمون له الترفيه أو المظهر.
يدرك المنجرة أن أزمة العالم العربي ليست أزمة موارد، بل أزمة ترتيب للقيم. فحين يقدم اللاعب على المعلم، والمغني على الطبيب، والممثل على الباحث، تصبح الشهرة أهم من المعرفة، والمال بديلا عن الأخلاق، والسطحيات غطاء على جوهر المجتمع.
إنها دعوة إلى العودة إلى منطق البناء لا الاستعراض، وإلى تقديس العمل والعلم لا اللهو والمظاهر.
يعاني المجتمع الموريتاني اليوم من تحول خطير في منظومة القيم، حيث تراجعت رمزية المعلم والعالم والمفكر أمام صعود نجوم (الترفيه) و(الشهرة الرقمية).
المعلم الذي كان رمز القداسة الفكرية أصبح يعامل كموظف بسيط، يتقاضى أجرا هزيلا، بينما تغدق الأموال على أنشطة لا تترك أثرا تربويا أو معرفيا.
الباحث الجامعي يعيش التهميش والعزلة، في حين يحظى المؤثرون في مواقع التواصل باهتمام واسع يفوق وزنهم الفكري.
الطبيب يكافح وسط ضعف البنية الصحية، بينما تسلط الأضواء على المغنين والمهرجانات.
أما العالم والمفكر، فقد غابت أصواتهم عن الفضاء العام، لصالح صخب الراقصات والمهرجين على المنصات الافتراضية.
هذه التحولات ليست بريئة؛ بل تعبر عن تحول ثقافي مقلق يجعل المجتمع يلهث وراء المظاهر بدل الجوهر، ويقيس القيمة بالشهرة لا بالعطاء.
في مجتمع مثل موريتانيا، حيث يشكل التعليم حجر الأساس في الهوية الثقافية، فإن تراجع مكانة المعلم يعني تراجع مكانة الوعي ذاته.
إعادة ترتيب المجتمع تعني أن تكون المدرسة مركز النور، والجامعة قبلة الاحترام، والمختبر والعقل مفخرة الأمة.
فلا نهضة في بلد يهان فيه المربي، ولا تقدم في وطنٍ يهمش فيه الطبيب والعالم، بينما تصفق الجماهير لمن لا يقدم سوى لهوٍ مؤقت.
إن استعادة التوازن المجتمعي تتطلب مشروعا وطنيا شاملا، يعيد ترتيب القيم على قاعدة العمل والعلم والعدالة، وهو ما نادى به أيضا جمال عبد الناصر حين جعل التعليم والكرامة والعمل ركائز للتحرر الوطني.
وفي واقع موريتانيا، فإن الأولوية اليوم يجب أن تمنح
المعلم بوصفه باني الإنسان.
الباحث والطبيب بوصفهما ضمان الوجود والصحة والكرامة.
العالم والمفكر بوصفهما الضمير الحي للأمة.
وهنا يصبح الترفيه تابعا لا قائدا، وجمال الروح أسمى من صخب المنصات.
مقولة المهدي المنجرة ليست حنينا إلى الماضي، بل تحذير من مستقبل يفرغ القيم من محتواها.
والمجتمع الموريتاني، إذا لم يعد ترتيب أولوياته، سيجد نفسه أمام أجيال تعرف الأغنية ولا تحفظ القصيدة، تعرف اللاعب ولا تذكر المعلم، تعرف الصورة ولا تدرك الفكرة.
إن إعادة الاعتبار لأهل العلم والمعرفة ليست ترفا، بل شرط للبقاء الحضاري.
فكما قال المنجرة (حين تكرم العقول يكرّم الوطن، وحين يهان المعلم تهان الأمة).


قاسم صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى