canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
آراءموضوعات رئيسية

زيارة الحوض الشرقي.. الدولة التي تكشف هشاشتها بنفسها / قاسم صالح

لم تكن زيارة رئيس الجمهورية للحوض الشرقي حدثا عابرا في أجندة السلطة، بل محطة كشفت — من جديد — مقدار التصدع العميق في بنية الدولة الموريتانية، فالمشهد الذي ظهر للعيان لا يتعلق ببرنامج رئاسي أو جولة تفقدية، بل بامتحان سياسي واجتماعي وضع البلاد أمام حقيقتها دولة تعيش في الزمن الخطأ، ونخبة تصر على إعادة إنتاج أخطاء خمسة وستين عاما من الفشل البنيوي.
من يتابع تفاصيل الزيارة يلاحظ أن موريتانيا ما تزال تجر خلفها أثقال البنية التقليدية التي عطلت نشوء الدولة الحديثة. تبرز القبيلة — بكل ترسباتها — كفاعل أساسي في هندسة المشهد، وكأنها المؤسسة الوحيدة القادرة على التعبئة والتنظيم، بينما تتراجع الدولة إلى موقع الكائن الشكلي الذي لا يمتلك من مقومات الوجود سوى الاسم والعلم.
إن المفارقة المؤلمة أن الدولة ليست هي من تؤطر المجتمع، بل المجتمع القبلي هو من يؤطر منسوبها السياسي، فتغدو الإدارة ملحقة بالولاءات، ويختزل المواطن في انتمائه الأولي، لا في حقوقه الدستورية.
المشهد الأكثر دلالة هو ذلك الحضور الكثيف لأطر الدولة ومسؤوليها داخل الاستعراضات القبلية، بدلا من إدارة قطاعاتهم، وتحسين الخدمات، وتثبيت قيم النزاهة والشفافية، ينخرط كثير منهم في لعبة التوازنات المحلية، فيحولون المناصب العمومية إلى رأس مال اجتماعي يستثمر في تكوين عصبيات انتخابية ومجموعات ضغط قبلية.
بهذه الممارسات، تتحول الوظيفة العمومية من أداة لتحقيق الصالح العام إلى وسيلة لتغذية شبكات الولاء، لتصبح ميزانيات الدولة حقولا لزرع النفوذ الشخصي، لا مشاريع للتنمية، وهو وضع يعكس انهيار الفكرة الأساسية للدولة باعتبارها إطارا عقلانيا محايدا، لا غنيمة توزع.
على مستوى الواقع الاجتماعي، يواجه المواطن الموريتاني — خاصة في الشرق — منظومة معقدة من الحرمان:
– بنية تعليمية هشة
– خدمات صحية شبه معدومة
– معدلات فقر تستنزف الكرامة الإنسانية
– بطالة متفشية في مجتمع شبابي واسع
تتجاور هذه الأزمات مع مظاهر استعراض قبلية كرنفالية لا علاقة لها بمتطلبات التنمية ولا بكرامة الإنسان، وهنا تتبدى المفارقة الحادة شعب يتضور جوعا… في حين يتم استعراضه ككتلة انتخابية في (أسواق النخاسة السياسية).
يبرز هنا سؤال جوهري كان في قلب المشروع الناصري:
كيف تبنى الدولة في مجتمع تسعى البنى التقليدية إلى ابتلاعه؟.
قدم جمال عبد الناصر نموذجا يؤكد أن بناء الدولة لا يتحقق عبر استرضاء القبائل والولاءات التقليدية، بل عبر
1. إرساء عدالة اجتماعية شاملة
2. بناء جهاز إداري قوي ونزيه
3. ترسيخ مفهوم المواطنة فوق أي انتماء آخر
4. استعادة القرار الوطني من شبكات النفوذ المحليه و الخارجيه
لقد انتقد جمال عبد الناصر بحدة (الإقطاع السياسي) الذي يشبه — إلى حد التطابق — الوضع الموريتاني الحالي، حيث تباع الولاءات في مزادات السلطة، وتختطف الدولة من الأطراف النافذة.
إن ما كشفته زيارة الحوض الشرقي ليس جديدا، لكنه يلح على ضرورة صياغة مشروع وطني إصلاحي جذري يعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويقطع مع الممارسات التي حولت الإدارة إلى مزارع شخصية.
إن المطلوب اليوم ليس إدانة الماضي فقط، بل إعادة تأسيس الدولة على قواعد جديدة:
دولة تحكم بالقانون لا بالأعراف
دولة تحاسِب لا تساوِم
دولة تمكن المواطن لا القبيلة
دولة تعيد توزيع الثروة والسلطة لا تعيد إنتاج الامتيازات.
إن زيارة الحوض الشرقي كانت مناسبة ليظهر الجرح واضحا، لكن كشف الجرح لا يعني علاجه، ما لم تتوقف النخبة السياسية عن الدوران في الحلقة ذاتها، فالدولة التي تستمر في استرضاء القبيلة على حساب القانون، وفي شراء الولاءات بدل بناء المؤسسات، هي دولة تمشي بخطوات ثابتة نحو التفكك.
إن موريتانيا اليوم بحاجة إلى روح تحررية جديدة، تستلهم تجربتها القومية وتستعيد قدرتها على بناء دولة عادلة، قوية، ومواطنة… قبل أن يغلق الزمن نافذته الأخيرة.


قاسم صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى