المختار ولد داداه: لا أسعى إلى العودة إلى السلطة لكن أقبل الدور المناسب وأجدد دعوة الجيش إلى المشاركة في حكومة انتقالية
نيس (فرنسا) – الشيخ بكاي- قال الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه إنه لا يطمح إلى العودة إلى الحكم لكنه سيقبل أي دور مناسب من شأنه إخراج بلاده من أزمتها بالتنسيق مع قادة الأحزاب والمجتمع المدني.
وجدد ولد داداه – في حديث إلى “الحياة” دعوة كان قد وجهها إلى الجيش من أجل المشاركة في حكومة انتقالية، محذرا من أنه لم يبق أمام الموريتانيين للتخلص من النظام الحاكم إلا العصيان المدني ” في منحاه السلمي”.
ووصف ولد داداه الذي يقيم في المنفى ( مدينة نيس الفرنسية) العلاقات القائمة بين حكومة بلاده وإسرائيل بأنها “ذات طابع مالي يخدم الحاكمين، لا وليدة دبلوماسية معقلنة”.
وشكك الرئيس الأسبق الذي تقاسم الصحراء الغربية مع المغرب في استقرار دولة صحراية مستقلة، مشيرا إلى أنها قد تضعف موريتانيا. واكد أنه ما زال يعتقد أن الصحراويين موريتانيون.
وأشار ولد داداه إلى انحياز الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى النظام الموريتاني منوها بمواقف حكومة اليسار.
نص الحديث:
“الحياة”: دعوتم أخيرا إلى إطاحة الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطايع وتشكيل حكومة انتقالية تعد لانتخابات نزيهة… هل هي دعوة للجيش؟ أم تحريض على عصيان مدني؟ أم أن هناك طرقا أخرى؟
– المختار ولد داداه:
– لم أدع إلى الإطاحة بالنظام الحالي، بل يبدو أن غالبية الموريتانيين في تعبئة دائمة من أجل التغيير..
وفي الحقيقة وجهت نداء إلى الجيش بوصفه من مكونات الشعب الموريتاني الذي ينبغي أن يشارك في الحكومة الانتقالية… وإذا كان فهمكم للعصيان المدني هو منحاه السلمي فإني أظن ان الموريتانيين مستعدين لذلك. ولم يبق خيار آخر في بلد لم تعد علاقات حاكمية ومحكوميه تخضع لأي قاعدة. وأنا من جانبي لا أرى أي طريق آخر خارج الحلول العنيفة كالحرب الأهلية والدمار الشامل، وهذا بالطبع مالا نرجوه.
– في حال سقوط النظام هل تقبلون الإشراف على المرحلة الإنتقالية؟ وهل من المستبعد أن تعودوا إلى الحكم عبر الإنتخابات؟
– لقد سبق أن قلت إنني لن أترشح لأي انتخابات مهما كانت، لأنني لم أعتبر في يوم من حياتي أن السلطة غاية في حد ذاتها بل تبقى بالنسبة إلي وسيلة فقط من أجل المساهمة في بناء وطني. وبالرغم من ذلك فحسب الآليات التي يبقى تحديدها مع مواطني من مسؤولي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ، قد أقبل دون أي عقد أن العب الدور المناسب لمصلحة بلدي خاصة من أجل استرجاع سمعته وعلاقاته الخارجية داخل المنظومة العربية والاسلامية.
– لا يفهم الكثير من الموريتانيين صمتكم حتى السنوات الاخيرة … أيعني هذا الصمت نوعا من القبول بالوضع ماقبل 1995؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟
– أعرف أن صمتي هذا الذي دام 17 سنة قد حير الموريتانيين، لكنه لا يعني أبدا لامبالاة مني بأوضاع بلدي، ولا تشريعا للأنظمة التي تعاقبت منذ إنقلاب 10 يوليو 1978 فطيلة هذه الأعوام كان أملي أن يصحح كل حكم عسكري أخطاء الذي سبقه، وأن تسترجع موريتانيا في الأخير مكانتها في العالم، وتدفع بعجلة تنميتها إلى الأمام. لكن للأسف لم يتحقق أي شيئ من هذا. وانطلاقا من التقويم السابق قررت الخروج عن صمتي الذي دام طويلا ابتداء من يناير1995 في شكل تحذير جاد من المخاطر التي كانت تهدد مواطنينا.
واليوم يبدو أن النجاة منها تبدو صعبة للأسف الشديد. قفد انتشر الفقر وتباينت الفوارق بين الأغنياء والفقراء والمستضعفين، وأفلس الجهاز القضائي، وفشل النظام التعليمي، وسادت الرشوة.. وهذه أمثلة فقط . وتحيز الاشارة إلى أن هذه مسلكيات شاذة دخيلة على تقاليد مجتمعنا المسلم.
– يقول البعض إن عامل الزمن والانقطاع عن البلد، والصمت، عوامل أفقدتكم التأثير، خصوصا أن معظم الفاعلين في الساحة الآن هم من الجيل الذي نشأ بعدكم. هل من تعليق؟
– لا أظن أن غيابي الطويل قد أبعدني عن قلوب مواطني ، ومع ذلك عليكم أن تطرحوا هذا السؤال عليهم.. وأقول إنه طيلة هذه الفترة لم أفتقد من طرفهم شهادات حية من المحبة والوفاء طمأنتني كثيرا، وساعدتني على تحمل صعوبة المنفى وقسوة الغربة.. وبالسبة إلي لا يمكن أن يتصور أحد أني نسيت وطني الذي ولدت فيه وعايشت أهله في خيمه (البدوية) وقراه، والذي منحته طاقة شبابي وحماسه.
– يقول أنصار الرئيس الطايع إنكم ملأتم السجون بالموريتانيين بسبب آرائهم (الحركات اليسارية ) ولذا فلستم أفضل من يعطي دروسا في الديمقراطية. هل من مقارنة بين ماجرى في عهدكم ومايجري الآن؟
– وحده المولى عز وجل مؤهل لإعطاء دروس في الأخلاق .. ومن طباع الإنسان التي تبرز خصوصيته الخطأ. لكنكم (هنا) منحتموني الفرصة لتأكيد محاولتنا إرساء دعائم ديمقراطية حقيقية من خلال التعددية أولا، ثم لاحقا إدماج كل الفاعليات السياسية داخل <<حزب الشعب الموريتاني>> بقية بناء مجتمع عصري.. وأذكر هنا بما لا يمكن لأي أحد نفيه، وهو أن كل الآراء كان يعبر عنها بطريقة حرة داخل الحزب.
لقد عرفنا أياما وليالي من صراع الآراء المتضاربة.. لقد كان (الحزب) مدرسة حية تعلمنا فيها الإستماع إلى آراء الآخرين. ويشهد الكثيرون على أنني تعرضت شخصيا وبصفة علنية لإنتقادات حادة من طرف المواطنين خلال زياراتي لداخل البلاد.
لقد كان خيارنا السياسي إعطاء (حرية) الكلمة والمسؤولية لأولئك الذين حرمهم المجتمع التقليدي من إسماع آرائهم كالشباب والنساء، والطبقات المسحوقة، رغم رفض القوى التقليدية لتعميم المساواة.
كل هذه الخيارات وجدت سندها في إرادة حقيقية لتوفير حد أدنى من الرفاهية لمواطنينا عبر (شق) “طريق الأمل” الرابط بين نواكشوط والنعمة الذي ساعد في ربط كل مناطق البلاد المترامية الأطراف بالبنى التحتية التي لا غنى عنها لأي عملية ديمقرطية كالإدارة والمدارس والمراكز الصحية .
أما الآن فقد تأكد الموريتانيون من أن <<ديمقراطية اليوم>> تقتصر على الإنتخابات المزورة، وسلطة القبائل، دون أن تقدم الحلول العملية للمشاكل المتراكمة بل تخفيها بصفة مرحلية مغذية في الوقت نفسه جذور الفتنة.
وبخصوص الشق الثاني من سؤالكم: نسيتم أن موريتانيا كانت خالية من أي سجين سياسي يوم وقوع الإنقلاب، وأي اغتيال لمعارض كما أصبحت هي العادة في بلادنا لاحقا. ولذلك رجال الأعمال رغم معارضة بعضهم لنظامي لم يحرموا من الصفقات العمومية ولم يتعرضوا لأي مضايقة.
واستحضر هنا أني عام 1976 -1977 كنت قد كلمت أحد معاوني وأصدقائي (وزير الداخلية) السيد أحمد ولد محمد صالح في إصراري على وضع حد لإحتكار الحزب الواحد (للسلطة) والدخول في مرحلة التعددية مباشرة بعد (إنتهاء) حرب الصحراء… وهكذا ينقضي التاريخ.
– تقول السلطات إنكم رفضتم حمل جواز السفر الموريتاني هل هذا صحيح؟ ولماذا؟
– هذا صحيح.. لقد رفضت الجواز الذي عرضت علي السلطات الموريتانية منذ عدة سنوات. والأسباب هي أولا: أعتبر أن طلب الجواز مبادرة شخصية حسب الاعراف القانونية ينبغي أن يقوم بها مواطن مثلي. وليس على السلطات أن تعرضه علي تكريما. وثانيا: لقد رفضت هذا العرض الذي تقدم به نظام لم أعترف بشرعيته أبدا قبل ولا بعد 1992.
– ماهو تقويمكم للمعارضة؟
– أعتقد أن المعارضة تخوض نضالها المشروع في ظروف مادية ومعنوية صعبة جدا، فأنتم تعلمون أن كل رجل أعمال أو موظف يظهر تضامنه مع المعارضة لايمكن أن ينجو من المضايقة والافلاس. ولهذا السبب أوجه نداء إلى كل الدول العربية والإسلامية من أجل المساعدة في التعجيل بالتغيير في موريتانيا لمصلحة الموريتانيين أنفسهم، وكذلك من أجل السلم في منطقة غرب وشمال إفريقيا. الأمر مستعجل وفي القريب سيفوت الأوان .
– ماهو تصوركم لمستقبل موريتانيا؟
– أملي كبير، لكنني لا أتصور مستقبلا مع استمرار الظلم والنهب وترهيب المواطنين.
– حاربتم من أجل حصول موريتانيا على جزء من الصحراء الغربية وتخلى العسكريون عن هذا الجزء في مقابل السلام. أتعتقدون أنهم أخطأوا؟
– ماسميناه إعادة توحيد الوطن الموريتاني كان قضية عادلة لأن الصحراويين موريتانيون وعودتهم إلا الوطن كانت أمرا محتوما.. موريتانيا اليوم ومنذ 1979 لم تعد متورطة في صراع الصحراء لأنها لم تعد تطالب نصيبها من هذه الأراضي، وتخلت عن حضورها في المنطقة، وهذا ما يتضمن خطأ ذا خطورة. ذلك أن المعطيات الجيوسياسية تفرض عليها المشاركة في كل حل بين الأطراف المتنازعة. ويجب عليها في هذا الإطار أن تلعب دور المصالحة بدل العجز.
وعلى كل لا أتصور الاستقرار لدولة صحراوية مستقلة ستخلق توترا إقليميا. وقد تضعف حتى وجود موريتانيا. فدول المنطقة ينبغي أن تتجه نحو المستقبل إذ ما فائدة نزاعاتنا في زمن اندماج الدول والمؤسسات المالية والتجارية؟ أوروبا مثلا. إن مستقبلنا في الإندماج الاقليمي اولا يكون.
– يفسر البعض “الهرولة” الموريتانية نحو اسرائيل بوجود رغبة لدى النظام في جذب انتباه الامريكيين ، هل موريتانيا قادرة على أن تكون منطقة نفوذ مهمة لامريكا؟ وماهو تعليقكم على سياسة “الهرولة”؟
– لا أظن أن العلاقات الجديدة مع إسرائيل وليدة ديبلوماسية معقلنة وتخطيط استراتيجي معقلن. أنا متأكد على العكس من ذلك أن الامر يتعلق بمصالح دونية ذات طابع مالي تخدم مصالح الحاكمين في موريتانيا.
– تتهم المعارضة الموريتانية فرنسا بالانحياز إلى الرئيس الطايع. هل من تعليق على الموقف الفرنسي؟
– صحيح أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك لا يخفي دعمه اللا مشروط للنظام القائم في موريتانيا. والدليل على ذلك زيارته لانواكشوط قبل شهرين فقط من مهزلة رئاسيات 1997. وعلى العكس من ذلك فمواقف حكومة جوسبان اليسارية أحس أنها سليمة، لأن الأحزاب المكونة لها قد أعربت مرات عديدة عن تنديدها بتجاوزات السلطات الموريتانية تجاه مواطنينا. لكن، وسأبقى أكرر: على الموريتانيين وحدهم التحكم في مصيرهم فالحكومات الأجنبية لا يمكنها في هذه الحالة إلا احترام قرارهم .
– بم تفسرون اهتزاز الثقة والحذر والتوتر احيانا، والبرود أحيانا أخرى في العلاقات الموريتانية المغربية من عهدكم إلى الآن ؟
– للمغرب وموريتانيا تاريخ مشترك من دولة المرابطين حتى مقاومة الاستعمار الفرنسي، لكن لكل منهما حاضره. وحتى 1969 ظلت المغرب تطالب بفرض سيادتها على الصحراء الاسبانية (الصحراء الغربية) وموريتانيا، ماسبب صدامات ديبلوماسية عنيفة بيننا. وبعد أن اعترف المغرب في القمة الإسلامية التي انعقدت 1969 بالجمهورية الإسلامية الموريتانية دخلنا عهدا جديدا من التعاون المثمر أهم نتائجه اتفاق تقاسم الصحراء سنة 1975. وقد تعطلت تلك العلاقات منذ انقلاب 1978 العسكري للأسف. وكانت تحقق أملا جادا في بناء المغرب العربي الموحد المتعاون.
وقد لعب منح البوليساريو حرية الحركة في شمال موريتانيا دورا أخطر.. وهو ما قد يسبب يوما سوء تفاهم خطير بين البلدين الأمر الذي لا يخدم مصلحة أي منهما.