الجبهات الأزوادية تشكو إكراه الجزائر و” سلبية” موريتانيا و “خيانة” الحكومة المالية
باسكنو (موريتانيا)ـ من الشيخ بكاي – جلس بادي، اللاجىء الـ “أزوادي” امام خيمته الصغيرة صباح يوم صيفي غائم يدير كاسات الشاي الاخضر وقال لـ “الحياة” و هو يعبث بلحية كثيفة بدأ الشيب يتسلل اليها :
“نحن محاصرون .. جنود الجيش المالي يذبحوننا والموريتانيون لا يقبلوننا على أرضهم الا لاجئين عزلا مقهورين ، والجزائريون يرغموننا على الاستسلام للعدو “.
وأردف بادي وعيناه ترصدان حركة الأشباح البشرية فى مخيم باسكنو المدفون فى الصحراء على الحدود بين موريتانيا وبلاده:
“لكننا سننتصر مع هذا ونثبت للجميع أن ازواد ليس مالى وان فرنسا أخطأت بضمنا الى من لا تربطنا بهم أي صلة”.
ويغطى ما يعرف باقليم “أزواد أكثر من نصف مساحة الدولة المالية،
ويسكن المنطقة عرب ينتمون لما يطلق عليه مجموعة”البيضان”التى تسكن موريتانيا والصحراء الغربية وجنوب المغرب وجنوب الجزائر.
وهناك الطوارق الذين لا يتحدثون العربية لكنهم يرتبطون بعرب الاقليم سياسيا وتاريخيا.
وتقاتل اربع تنظيمات سياسية عسكرية القوات الحكومية من أجل اقامة دولة مستقلة فى الإقليم، أو على الأقل إقامة نظام فيدرالي.
وتوجد قيادة ثلاث من هذه التنظيمات فى موريتانيا وهي “الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد”، و”الجيش الثوري لتحرير “أزواد” ،و”الحركة الشعبية لتحرير أزواد”.
أما التشكيلة الرابعة وهي”الجبهة الشعبية لتحرير أزواد” التى يقودها غيسى آغ سيدي محمد فقيادتها داخل الاقليم متحصنة بالجبال، وترفض هذه الجبهة المفاوضات مع الحكومة المركزية.
وتشكو منظمات الإغاثة الدولية من أنه لم يعد فى مقدورها تقديم المساعدة الى سكان الاقليم بسبب عمليات سطو واعتداء تقوم بها عصابات مسلحة.
ويقول الموريتانيون أن 12 سيارة سرقت من أراضيهم هذا العام.
وقال لنا سكان القرى الموريتانية، ونحن نحاول التوغل فى منطقة الحدود،إنهم لا ينصحون بذالك. وحذر أحدهم قائلا:
“هذه المنطقة مليئة بقطاع الطرق الذين من السهل عليهم أن يسلبونكم السيارة ويتركونكم فريسة للعطش ووحوش الصحراء” .
ويعلق عبد الرحمن آغ قلة رئيس “الجيش الثوري لتحرير أزواد” على ذالك بالقول:
“التنظيمات الرئيسية لا تعتدى على المدنيين لكن هناك فى الحقيقة مجموعات من اليائسين الذين نهبت ممتلكاتهم وشاهدوا المذابح الجماعية ضد ذويهم ويقوم هؤلاء بعمليات انتقامية واعتداءات، ونحن نجردهم من الأسلحة ونسجنهم”.
لكن عبد الرحمن فى الوقت ذاته يقول إن” أزواد منطقة حرب وقد أعلنا ذالك مرارا، ونحذر ايا كان من دخول المنطقة من دون علمنا”.
ويضيف الشاب الذى تدرب عسكريا فى ليبيا وتلقى دورات فى لبنان وسوريا كما قال:”نحن نساعد من يبلغنا نيته دخول المنطقة، ونرفض من يحاول تجاوزنا، وعلى الجميع إدراك أن أزواد ليس مالى وان السلطات المالية لا تتحكم إلا فى شريط محدود من المدن “.
وقال عبد الرحمن :”سلحت السلطات المجموعات السوداء الموجودة فى أزواد للاعتداء على اهالينا العزل”.
واردف قائلا :”ما زلنا نتجنب معاقبة المدنيين إلا أن المنطق يقتضى أن يكون السلاح أبلغ رد على السلاح”.
ووزعت السلطات المالية السلاح على قبيلة”الصونغاي”وهي أهم مجموعات السود فى شمال البلاد فى خطوة وصفتها بأنها حماية لهم من هجمات “عصابات اللصوص” . وهوالمصطلح الذى تطلقه الحكومة المركزية على مقاتلى أزواد.
واعتبر احمد بن سيدي محمد الأمين العام لـ”الجبهة العربية الإسلامية لتحرير ازواد”: أن” هذه الخطوة مقدمة لإستغلال الصونغاي ضد الصيغة المطروحة لحل النزاع”.
وتريد الحركات الأزوادية انفصال الإقليم أو اقامة دولة فيديرالية ينعمون فيها بإدارة شؤونهم.
وقال زعيم منظمة”الجيش الثوري لتحرير أزواد: “أذعن بعض التشكيلات الأزوادية لضغوط الجزائر فوقع اتفاق تمنراست الذي لا يكفل الا قدرا ضئيلا من الادارة الذاتية،ومع ذالك رفضت السلطات المالية تنفيذ بنوده”.
فشــــل الإتفـــــاق:
ووقع هذا الاتفاق فى 6 كانون الثانى (يناير) من العام الماضي، و ادى إلى انقسامات حادة بين الحركات الأزوادية التى وقعته، خصوصا فى صفوف “الحركة الشعبية لتحرير أزواد” التى يقودها ضابط شاب هو إياد آغ غالي الذي تدرب هو الآخر فى ليبيا وبعض دول الشرق الأوسط.
ويعتقد زعيم “الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد” أحمد بن سيدي محمد ان “اتفاق تمنراست لم يعد مطروحاعلى جدول الأعمال “.
وقال بن سيدي محمد لــ”الحياة”:”نشعر أن الدول المجاورة تمارس علينا الكثير من الضغوط لإرغامنا على التفاوض على الحد الأدنى مع حكومة ليست على استعداد لقبول أي حل معقول”.
ووصف بن سيدي محمد موقف موريتانيا و الجزائر بانه “يخدم الاستراتيجية المالية” ، واتهم الجزائر ب”ممارسة الضغط الشبيه بالاكراه”.
و يعتقد الازواديون ان وجود اقليات عرقية في الدول المجاورة لا يخدم قضيتهم .
و يقول تقرير أعده الوزير الفرنسي السابق مدير معهد العالم العربي في باريس ادغار بيزابي في اعقاب مهمة له في المنطقة في شباط (فبراير)الماضي إن”الحكومة المالية تبدي الكثير من الاستعداد للتفاوض “.
وطبقا للتقرير:”تعترف حكومة باماكو ان المنطقة ظلت على الدوام مهملة، وانه حان الاوان للاهتمام بها”.
وتقترح الحكومة : “تطبيق نظام لامركزية ادارية يمكن السكان من المشاركة في تسيير شؤونهم “.
و تعتقد باماكو- طبقا لتقرير بيزاني- إن “الأوضاع الاقتصادية هي الأسباب الأساسية لتمرد السكان (البدو)”، وتقترح علاجا لذالك هو”اعتماد خطة انمائية شاملة للإقليم مسبوقة بمخطط عاجل لإعادة دمج اللاجئين الذين نزحوا الى الدول المجاورة”.
لكن الازواديين لايوافقون على تحليل الحكومة المركزية،
ويقول زعيم “الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد” إن “الاسباب سياسية وعسكرية ولن يكون هناك حل من دون الإنطلاق من هذا الإعتبار.
ورفض حكومة مالى هذه الحقائق هو لعرقلة أي مشروع للحل “.
وأوضح بن سيدي محمد ان”جبهات التحرير وضعت شروطا مسبقة لأي اتفاق سلام جديد هي: وقف عمليات التقتيل والمضايقة، والإعتراف الصريح بالمذابح، وإعلان الاستعداد للتعويض، ومعاقبة المسؤولين عنها. هذا قبل التفاوض”.
ويضيف : “أما الشروط الأهم فهي سحب الجيش المالي من المنطقة وتوفير ضمانات دولية ذات صدقية لأي اتفاق جديد مع الماليين”.
من جهته يوضح عبد الرحمن آغ قله رئيس “الجيش الثوري”:
نحن لا نثق فى سلطة ذبحت ممثلي الجبهات التى وقعت معها اتفاق تمنراست، وقد جاء أولئك الممثلون الى مالى بطلب من السلطات”.
ويقول تقرير بيزاني ان الحكومة المركزية والثوار “يلتقون فى عدد من النقاط،خصوصا تلك المتعلقة ببرامج التنمية فى الشمال وضرورة وقف مسلسل العنف. الا ان الجانب السياسي يبقى العقبة الكبرى”.
ونسب التقرير الى الحكومة المالية القول إنها”على استعداد للاستجابة الى كل المطالب التى لا تمس الوحدة الترابية للبلد”. لكن عبد الرحمن ينفى ذالك قائلا:”هذا غير صحيح، فحكومة مالي تحاول كسب الوقت حتى تتجاوز ازماتها الداخلية. ونحن تخلينا عن المطالبة بالاستقلال الكامل رغبة فى السلم واستجابة للضغوط الإقليمية. لكن هذا لم يغير فى موقف باماكو”.
واضاف:”الماليون قالوا انهم يرفضون المساس بوحدة البلاد… ونحن قلنا انه يحق لنا المطالبة بالحد الأقصى فى اطار الدولة الموحدة، وهو الفيديرالية. وهي وحدها القادرة على تجنيبنا العودة الى مآسي الأعوام الثلاثيين الماضية”
وينسب تقرير بيزاني الى الحكومة المالية قولها “ان النظام الفيديرالي يخرج عن نطاق الخط الأحمرالذى تضعه لوحدة البلاد، كما ان سكان المدن فى الشمال سيرفضون الفيديرالية”. وهي اشارة،فيما يبدو،الى مجموعات الصونغاي التى يقول الأزواديون ان السلطات سلحتها لخلق عداوة بينها والسكان العرب والطوارق بهدف ضرب الصيغ المطروحة للحل”، كما ورد على لسان الأمين العام لــ”الجبهة العربية الإسلامية”.
ويعتقد الازواديون ان سحب الجيش من الاقليم الشمالي هو اهم خطوة تقوم بها سلطات باماكو،
وحسب قول عبد الرحمن آغ قلة: “هذه الخطوة هي نصف الحل. فنحن عشنا على مدى السنوات التى مضت على استقلال دولة مالى تحت سلطة جيش احتلال، وتزايدت وحشيته مع السكان منذ وصول الرئيس الحالي الى السلطة”
لكن الحكومة المالية تقول من جانبها إن “سحب الجيش غير وارد، إذ لا يتصور إجلاء الجيش من نصف مساحة بلده؛ لكننا نقبل وجود صيغ تشرك السكان فى الدفاع والأمن فى مناطقهم مع تحقيق الوجود العسكري”.
” الحياة” الصادرة في لندن
7 .إبريل 1992
112 تعليقات