موريتانيا : احتجاجات شعبية على زيارة نواب اسرائيليين
نواكشوط- الشيخ بكاي- أثارت الزيارة التي قام بها وفد برلماني اسرائيلي لموريتانيا موجة جديدة من الاحتجاجات في هذا البلد الذي عُرف بدعم المواقف الراديكالية في الصراع العربي – الاسرائيلي وتتحول حكومته الآن بسرعة تثير استغراب كثير من المراقبين الذين اعتبروا دعوة البرلمانيين الاسرائيليين رسالة واحدة مفادها ان الحكومة الموريتانية ماضية قدماً في عملية التطبيع على رغم الرفض الشعبي في الداخل والانتقادات العربية في الخارج.
وأثار وجود البرلمانيين الاسرائيليين على الارض الموريتانية موجة من الغضب ارتفعت حدّتها حينما بث التلفزيون الحكومي صوراً لهم وهم يتفحصون المخطوطات الاسلامية في مدينة شنقيط التاريخية التي لها قدر من القدسية لدى الموريتانيين بالنظر الى دورها التاريخي في نشر الاسلام واللغة العربية ووجود اهم مكتبات المخطوطات الاسلامية فيها. كما اغضب الموريتانيين زيارة اليهود لقبر الامام الحضرمي فقيه المرابطين قرب المدينة.
ولم يخف برلمانيون من الحزب الحاكم الامتعاض من وجود الوفد الاسرائيلي. كما شنّ بعض أئمة المساجد في نواكشوط حملة على السلطات وحذروها من “الارتماء في احضان اعداء الله”. واصدرت احزاب المعارضة بيانات شديدة اللهجة تدين العلاقات مع اسرائيل وتنتقد بشدة زيارة وفد الكنيست. واعرب تجمع المعارضة الرئيسي “اتحاد القوى الديموقراطية” عن الغضب “ازاء دوس الصهيانة على المقدسات الاسلامية في موريتانيا”.
وشرحت الحكومة الموريتانية موقفها بالقول انها تتصرف انطلاقاً من مصلحة البلد بعيداً عن العواطف. وتذكّر بمواقفها “الثابتة” من القضية العربية. وتعرب عن استيائها من استغراب الآخرين لعلاقاتها مع اسرائيل في حين ان هناك من لديهم علاقات مماثلة لا يثيرون الدرجة نفسها من الاستغراب. وترى الحكومة الموريتانية انها تسير “في الركب العربي بالسرعة نفسها”. و”ليست اسرع من الدول العربية الاخرى في التطبيع الا من حيث الشكل العلني”. وقال مسؤول موريتاني تحدث الى “الوسط”: “حينما كان الوقت لرفض اسرائيل رفضناها ورفضنا الاتصالات السرية التي قام بها البعض… واذا كانت للآخرين ذاكرة فان مواقفنا من القضية العربية جلية ولم نقبل فيها انصاف الحلول … اما الآن وقد اتجه العرب كلهم … الى الصلح مع اسرائيل وقرروا اقامة السلام معها فإن الامر اختلف”.
وقال المسؤول الموريتاني: “هناك من ينتقدنا وفي الوقت نفسه يلتقي الاسرائيليين سراً ويتفاوض معهم. اما نحن فإننا لا نعمل في الظلام وما نقوم به في السر نقوم به في الجهر”. ويزيد: “ليس لأحد ان ينكر علينا اتخاذ مواقف تخص سيادتنا”.
ويثير اندفاع الحكومة الموريتانية في التطبيع تساؤلاً في العالم العربي حول الدوافع ما دامت موريتانيا لا تقع على الحدود مع اسرائيل وليست لها مصالح مباشرة.
ويعتقد مطلعون على الشؤون السياسية الداخلية في هذا البلد انه كان في مقدور الحكومة الموريتانية الابقاء على علاقتها بالدولة العبرية في حدود مكتب الارتباط الذي افتتح العام 1996 بضغوط اميركية واستجابة ايضاً لوساطة اسبانية في مقابل العمل على قبول موريتانيا في المجموعة المتوسطية التي كانت دول عربية واوروبية تعارض انضمامها اليها لكونها غير متاخمة للمتوسط. الا ان اوضاعاً مستجدة دفعت بالسلطات الى التعجيل بالتطبيع لا انتظاراً لفوائد معينة من اسرائيل وانما لتحييد الولايات المتحدة اولاً، واقناعها ثانياً بتقديم الدعم لموريتانيا.
واقتصرت علاقات التعاون بين نواكشوط وتل ابيب على تبادل الزيارات التي كانت تتم في شكل خجول شبه سري قبل زيارة الوفد البرلماني الاخيرة وحاول بعض رجال الاعمال “كسر الحاجز النفسي” فدخل عدد منهم في اتصالات مع جهات اسرائيلية من اجل التعاون في مجال الزراعة وجاء بخبراء اسرائيليين، الا ان العملية توقفت عند هذا الحد، وعاد الاسرائيليون من حيث أتوا بعد تقديم بعض الارشادات لمن قبل الاستماع. وفي الواقع لم يجدوا الجو الملائم للاقامة بالنظر الى المقاطعة الشعبية. كما استقدمت الحكومة الموريتانية بعثة طبية اسرائيلية متخصصة في امراض العيون. لكنها ووجهت بعبارة “العمي ولا اليهود” التي انتشرت في “المستشفى الوطني” الذي تملكه الدولة. فقد وقف العديد من الشبان على ابواب المستشفى وأروقته ليخبروا المرضى بوجود وفد طبي اسرائيلي ويحذرونهم منه.
17 أبريل 2000- الحياة