قوافل حكومية لنقل العائدين إلى الريف.. سكان نواكشوط يهجرونها إلى البادية..
نواكشوط- الشيخ بكاي – فيما سيرت السلطات الموريتانية قوافل لنقل الراغبين في العودة إلى الريف مجاناً، انتعشت أسواق الخيم والتجهيزات البدوية، وبدأت “قوافل” الأغنياء تهجر العاصمة نواكشوط التي تتحول كل خريف إلى مدينة شبه خالية إلا من العجزة وصغار الموظفين، والقطط والكلاب السائبة. عادة ينتظر سكان المدن الكبرى اكتمال اخضرار الأرض قبل أن يبدأوا “موسم الهجرة إلى البادية”، لكن الرطوبة والحرارة في مدينة نواكشوط عجلتا هذه السنة عمليات الهرب إلى أحضان الريف، حيث الهواء النقي، والسكينة وحليب النوق… وحيث يستعيد الموريتاني ذاته – البدوية – الضائعة في ازدحام المدن.
وشكلت السلطات لجنة وزارية كلفتها “إعادة السكان إلى مناطقهم الأصلية”، ووضعت اللجنة عشرات الشاحنات بتصرف الراغبين في مغادرة نواكشوط إلى داخل البلاد. وتخص هذه العمليات الفلاحين الذين يريدون العودة إلى الداخل لزرع أرضهم. ويتوقع نقل أكثر من عشرين ألف شخص كان معظمهم خدماً في المنازل، مما يؤدي إلى ارتفاع أجور الخدم في البيوت التي يبقيها أصحابها مفتوحة في المدينة. وفي هذا الموسم أيضاً تنتعش الأسواق البدوية حيث يقبل الناس على شراء الخيم وتجهيزات أخرى ضرورية للبادية.
خلال آب اغسطس الجاري وأيلول سبتمبر المقبل، يكاد النشاط الرسمي ينحصر في تسيير الأمور، فيذهب الوزراء – على دفعات – في العطلة السنوية بمعدل 15 يوماً لكل وزير. ومع أن أثرياء قلة يذهبون إلى أوروبا للراحة، فإن معظم أغنياء البلد ومتوسطي الحال يقضون عطلة الخريف في البادية.
ومع تساقط الكميات الأولى من المطر، يبدأ القادرون بالرحيل إلى مناطق مختلفة من البلاد، فيما يكتفي العاجزون – بسبب العمل – عن “الهرب” بعيداً عن المدينة، بالخروج ليلاً إلى خيم منصوبة على جنبات الطرق الثلاثة الرابطة بين العاصمة والمدن الأخرى من الجنوب والشمال والشرق. وتقام هذه الخيم حول قطعان إبل يبيع ملاكها الحليب، ويبلغ سعر الليتر في هذه المنتجعات ما يقابل دولاراً أو أقل بقليل.
وفيما يعود بعضهم إلى المدينة بعد ساعات، يقضي آخرون ليلتهم على رأس كثيب رملي آمن، ليستيقظ صباحاً على روائح الأعشاب الخضراء، ويملأ رئتيه بالهواء النقي قبل أن يشرب ما شاء من حليب الناقة ويعود إلى المدينة بطاقة “نفسية” تكفي ليوم من العمل تحـــت الضغـــط والرطوبـــة والحـــرارة.
وتراجع الاهتمام بالحياة البدوية نهاية السبعينات وخلال الثمانينات، لأسباب منها الجفاف الذي دمر اسلوب الحياة في الريف، وفرض الاستقرار على سكانه، ومنها بعض الدعوات “التحديثية” التي حاولت “التطاول على الأصل، وقطع الموريتاني عن بيئته”، كما قال أحدهم لـ”الحياة”.
لكن تحسن المناخ وانتظام الأمطار أعواماً متتالية، أعادا للريف قوته، فجذب أصحاب رؤوس الأموال ومختلسي الأموال العامة إلى “ردم” ثرواتهم في الماشية التي لا يدفع ملاكها ضرائب أو رسوماً، ولا تخضع لأي رقابة. وتحول معظم ملاك الماشية الاصليين رعاة لدى ملاك جدد يعتبر كثيرون منهم امتلاك الماشية رمزاً للثراء والمكانة الرفيعة بين أقرانهـــم فـــي المدينـــة.
وتحولت البادية عن نمطها الخشن القديم إلى حياة مرفهة تشترك في صوغ مظاهرها السيارات اليابانية والألمانية إلى جانب الجمل، ويستعيض بعض ساكنيها الموقتين عن ضوء القمر بالمولدات الكهربائية “المحمولة”. ويلتقط بعضهم المحطات الفضائية.
وعلى رغم ان البادية في شكلها الجديد مكلفة، إذ أصبح ضرورياً الجمع بين بعض الأنماط القديمة وكثير من ضروريات الحياة المدينية، فإن الاهتمام الجديد بها يمكن للبلد من عدم صرف مبالغ كبيرة من العملات الصعبة كانت تنفق في السياحة الخارجية.
ولا تقتصر “السياحة الصحراوية” على الموريتانيين، إذ يلاحظ إقبال أوروبي واسع على الصحراء الموريتانية. وتحقق وكالات السياحة في البلد أرباحاً كثيرة من أفواج الأجانب الذين ينتشرون في مناطق عدة في الخريف والشتاء. ويبدو الأوروبيون أكثر جرأة على ركوب الجمل من “المدينيين” الموريتانيين. ويقطع بعض السياح الأجانب مئات الكيلومترات على ظهور الجمال في منطقة ما زال في إمكان المرء أن ينام في عرائها آمناً مطمئن البال.
جريدة الحياة اللندنية
227 تعليقات