التكنولوجيا تعيد عصر المنشورات السرية . “موريتاني نت”: الصخرة خرجت من يد الرامي
نواكشوط- الشيخ بكاي- حينما سمحت السلطات الموريتانية باصدار الصحف المستقلة شهدت البلاد طفرة صحافية انتجت مئات الصحف التي تسامحت معها الحكومة في البداية، لكنها اصبحت محرجة لنبشها “الملفات” وفضحها تصرفات المسؤولين، فضيّقت عليها الخناق… وهذا ما سند موقفها الرافض للترخيص بانشاء محطات اذاعية وتلفزيونية مستقلة في محاولة لاغلاق نوافذ هذه الحرية. لكن “موريتاني نت” هذا القادم الجديد فتح كل النوافذ والابواب.
يقبل الموريتانيون اقبالاً شديداً على “الإنترنت” بطريقتهم الخاصة. فبرغم ان الاسعار الغالية نسبياً منعت كثيرين من الاشتراك في الشبكة كما ان الكومبيوتر نفسه لم يصبح بعد اداة شخصية ضرورية، فان إنترنت اصبحت تلعب دور المنشورات السرية التي كانت الحركة السياسية توزعها على نطاق واسع وتشن فيها حملات على انظمة الحكم وبعض رموزها.
وتتداول في العاصمة الموريتانية مقالات مستنسخة عن “موريتاني نت” تشمل التعريض ببعض رموز النظام بمن فيهم الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطايع. كما تتداول قوائم بأسماء الاثرياء الذين يزعم انهم حصلوا على ثرواتهم بالطرق غير المشروعة خصوصاً عبر اختلاس المال العام.
ومثلما اقبل الموريتانيون على المنشورات السرية لغموض مصدرها وقولها “ما لا يقال” يعتبر الإنترنت بالنسبة الى المواطن العادي اكثر غموضاً. فهو لا يدرك ماهيتها كما ان “منشوراتها” موقعة باسماء مستعارة وغريبة احياناً. ويورد مستخدمو الشبكة من الناقمين معلومات وعبارات لا تسمح النصوص القانونية بكتابتها في الصحف، او هي توقعهم في حرج شخصي اذا علم مصدرها علناً. ويلجأ بعض ارباب الصحف الموريتانية الى “موريتاني نت” في مواجهة وزارة الداخلية التي تكثر من حظر الصحف ومصادرتها. فقبل الإنترنت كان ناشرون يسحبون المقالات المحرجة بسبب الحظر او المصادرة ويوزعونها في شكل منشور سري. ويتوافر لهذه المقالات من الانتشار ما لم يكن يتوافر لها لو لم تتم مصادرة المطبوعة. اما في عهد الإنترنت فالطريقة اضمن للوصول الى جمهور اوسع اذ يشمل طريقة المنشور السري الذي يوزع محلياً لكن ايضاً يبقى في مقدور صاحب الصحيفة ان يوصل رأيه الى اي مكان في العالم.
ويعاقب القانون المنظم للنشر في موريتانيا اعادة نشر اي مادة خضعت للحظر. وينطلق قانون المطبوعات الموريتاني الذي وضع بعد التعددية السياسية من نصوص تم وضعها في الستينات والسبعينات لمكافحة المنشورات السرية التي ظلت وسيلة التعبير المتوفرة الوحيدة حتى السماح بحرية اصدار الصحف في 1991. ولقيت الصحف الموريتانية رواجاً كبيراً في بداية التجربة لانها كانت في معظمها تكتب بالاساليب الاندفاعية نفسها التي كانت الحركات السياسية تحرر بها المنشورات لكن بعد فترة لم تعد السلطات قادرة على تحمل عمليات “النبش” المحرجة التي تقوم بها الصحف والاساليب المشتعلة التي تحرر بها المقالات فلجأت الى تطبيق قانون المطبوعات الذي لا يسمح اصلاً بهذا المقدار من الحرية ويمكن للسلطات ان تؤول نصوصه المطاطة بحسب القصد والظرف.
فهل تضع السلطات الموريتانية نصوصاً خاصة بالإنترنت وتشكّل شرطة خاصة بمتابعة ما ينشر على كل موقع؟ أم ان “الصخرة خرجت من يد الرامي” كما يقول المثل الشعبي الموريتاني
86 تعليقات