الانتخابات الموريتانية : فوز الحزب الحاكم … وصعود المتطرفين
نواكشوط -الشيخ بكاي- رأى مراقبون موريتانيون في نتائج الانتخابات الاخيرة التي فاز حزب الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطايع بكل المقاعد فيها وسط اتهامات من المعارضة بالتزوير ضربة قوية لزعيم المعارضة أحمد ولد داداه المنافس الرئيسي المفترض لولد الطايع في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد حوالى العام. وفيما ابدى كثيرون في أوساط السلطة والمعارضة مخاوف من ان يكون التراجع “الظاهر” لنفوذ ولد داداه وصعود حزب “العمل من اجل التغيير” الذي يقوده مسعود ولد بلخير بداية لانتعاش التطرف، يميل آخرون الى القول ان هناك خططاً لاحتواء الزعيم الكارزمي المتشدد مسعود أو تحييده.
ومع انه كان متوقعاً فوز الحزب “الجمهوري الديموقراطي” الحاكم في معظم الدوائر فان حجم فوزه في الجولة الاولى، وضعف اداء حزب “اتحاد القوى الديموقراطية” الذي يقوده احمد ولد داداه، وعدد الاصوات التي حصل عليها حزب مسعود، أمور فاجأت الرأي العام والمراقبين.
وحصل حزب ولد الطايع على 61 مقعداً في الجولة الاولى من اصل 79، وفاز مستقل عضو فيه بمقعد وحصل حزب صغير متحالف معه في لائحة موحدة على مقعد في حين لم تحصل المعارضة مجتمعة على اي مقعد.
الجولة الثانية تجرى قبل صدور “الوسط” ولا تغير نتائجها شيئاً في اتجاه هذا التحليل وقبل أيام قليلة من موعد الاقتراع تحدثت احزاب المعارضة عن اعداد السلطات لتزوير الانتخابات. وأصدر الحزب الحاكم بدوره تهماً مماثلة. وتحدث الطرفان عن بطاقات هوية مزورة وبطاقات ناخب من النوع نفسه. وعجز الطرفان عن تقديم أدلة ملموسة تجعل المراقب المستقل يصل الى حقيقة أكيدة، مع ان الميل تقليدياً هو نحو تصديق من هو خارج السلطة.
وسواء أكانت الانتخابات الموريتانية مزورة او نزيهة فان نتائجها فاجأت الموريتانيين ومراقبي الشأن السياسي في هذا البلد. وليس فوز الحزب الحاكم بغالبية المقاعد مصدر المفاجأة فهذا الامر كان متوقعاً لأسباب موضوعية منها كونه من دون شك أكبر الاحزاب السياسية في البلد، ومنها ان المعارضة فشلت في الاتفاق على خوض الانتخابات في جبهة موحدة وهناك أسباب أقل موضوعية منها كون الحزب الحاكم يستفيد من وجوده في السلطة في شكل غير مباشر على الاقل، فهناك من يطمعون في تحقيق مكاسب آنية من خلال دعمه ومن يخافون على مصالح موجودة أصلاً. وتكون عناصر المفاجأة اذن هي استحواذ الحزب الحاكم على معظم المقاعد في الجولة الاولى من الاقتراع وضعف اداء المعارضة عموماً فهي مجتمعة لم تصمد – في انتظار الجولة الثانية – الا في خمس دوائر من أصل 53. ولعل الأغرب هو صعود نجم حزب “العمل من اجل التغيير” الذي يقوده مسعود ولد بلخير على حساب “اتحاد القوى الديموقراطية” بقيادة احمد ولد اداه وهو الحزب الذي ظل الى الآن يعتبر التجمع الرئيسي للمعارضة. فقد صمد حزب مسعود في ثلاث دوائر بينما لم يصمد حزب ولد داداه الا في اثنتين، كما تقدم “العمل من اجل التغيير” على “اتحاد القوى” في عدد من الدوائر. ويذكر ان حزب مسعود مجموعة منشقة عن “اتحاد القوى”، واتخذ شكل الحزب اخيراً وسط احتجاج البعض الذي اعتبر الترخيص له بالعمل خطأ لأنه – في نظر هذا البعض – حزب عرقي يضم المتطرفين. ويتألف الحزب من بعض قادة حركة “الحر” وهي تنظيم سياسي – اجتماعي تأسس في الثمانينات للدفاع عن حقوق “الحراطين” الذين تعود أصولهم البعيدة الى عهود الاسترقاق. ويقول المتطرفون في الحركة التي انقسمت الى فصيلين احدهما في السلطة والآخر في المعارضة ان “الحراطين” أفارقة سود عربوا رغماً عنهم على أيدي أسيادهم مثل الاميركيين السود.
اما الفصيل الثاني للحزب فيضم عناصر من “جبهة تحرير الافارقة السود في موريتانيا” المتطرفة، وتدعو هذه التشكيلة السياسية – العسكرية الى اخراج العرب من موريتانيا الى اليمن والجزيرة العربية، وتقول في بعض أدبياتها ان العرب “أوباش جاؤوا من اليمن واحتلوا بلادنا وعليهم العودة من حيث أتوا”.
وبرهنت المواجهات العرقية القليلة التي حدثت في موريتانيا على استحالة الانسجام بين الجماعتين، فقد كان “الحراطين” على الدوام اصحاب المواجهة مع السود. لكن انضمام عناصر “جبهة تحرير الافارقة الى حزب مسعود والتقدم المثير مع انه نسبي – في الانتخابات الاخيرة اثار مخاوف في أوساط السلطة والمعارضة من ان يقود تدني الاوضاع المعيشية والازمات السياسية الى انتعاش التطرف خصوصاً في ضوء تراجع حزب ولد داداه الظاهري على الأقل.
ومهما قيل عن ولد داداه فانه من دون شك عمل على تهدئة الاوضاع على رغم ان حزبه كان قبل انشقاق عدد من الجماعات عنه ملجأ للمتطرفين من كل الفئات.
ويرتكز المتشائمون في مخاوفهم الى ان طموحات مسعود التي لا حدود لها قد تدفعه الى الانصياع لطروحات المتطرفين في حزبه. وهو نفسه لا “يتهم” بالاعتدال اذ انه كارزمي وخطيب يتقن فن التهييج ويتوجه في خطابه الى جماعات من غير المتعلمين وذوي المستويات المعيشية الدنيا ما يجعل في مقدوره اشعال النار في المدن الكبيرة على الاقل. ويشكل خطاب مسعود حول “العبودية” و”الحرمان” و”الاقطاع” الآن سبباً للغضب والقلق في الكثير من الاوساط وسيتطور هذا الغضب والقلق حينما يعلن نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية بعد عام ويركز حملته الانتخابية على شعارات مثل “أنا عبد مثلكم جميعاً أيها العبيد” وهو خريج “المدرسة الوطنية للادارة” والوزير السابق مرات عدة والمحافظ السابق لعدد من الولايات الموريتانية. وقال سياسي موريتاني لـ “الوسط”: “من اخطاء النظام السماح لشخص يدّعي انه رقيق وهو سيد ويزرع في نفوس الموريتانيين الحقد ويسجن بعضهم في زوايا مظلمة من تاريخ ولى ان يرأس حزباً مرخصاً له بالعمل”.
ويعتقد البعض ان تركيز النظام في هذه الفترة على ولد داداه له ما يبرره لأنه يفترض انه المنافس الرئيسي لولد الطايع في الانتخابات الرئاسية العام المقبل ويقول هؤلاء ان هناك خططاً لاحتواء مسعود أو تحييده.
ومن دون الخوض في حجج المعارضة والسلطة في شأن التزوير أو عدمه يبدو في حكم المؤكد ان نتائج الانتخابات أضرت كثيراً بولد داداه وقللت حظوظه في ان يكون المنافس الاقوى لولد الطايع في الانتخابات المقبلة ويرفض ولد داداه هذه الاطروحة معتبراً ان الموريتانيين “يفهمون ان الانتخابات زورت”. ان الاكيد هو ان الموريتاني العادي لا ينتظر من يشرح له ان الانتخابات لم تعكس الحقيقة، فهو يهتم عادة حينما يدلي بصوته بالتصويت المفيد، والاتجاه العام هو دائماً نحو من يعطي الانطباع بأنه الاقوى، وسيكون على ولد داداه ان يبذل المستحيل من اجل استعادة حزبه لصدقية كانت تجعل منه القوة المعارضة الاولى.
الحياة-21 أكتوبر 1996