ارشيف صحفي “الحياة” في الزويرات الموريتانية . شكاوى كثيرة من المغرب و”بوليساريو” والتسجيل لتحديد الهوية الى تراجع
نواكشوط ـ الشيخ بكاي ـ حينما تسمع في مدينة الزويرات الموريتانية، قرب الحدود مع الصحراء المغربية، كلمة “التحديد” او “فلان حدد”، او “لم يحدد بعد”، يفترض ألا تسأل: “حدد ماذا؟” لأن هذه العبارات من الكلمات الدارجة المفهومة في حديث اهل المدينة. وحينما يخاطب شخص، آخر، مازحاً او مستفزاً، بالقول “حدد هويتك”، بمعنى: “كن واضحا”. الاصل في كل هذه العبارات هو “تحديد هوية الصحراويين” المسموح لهم بالمشاركة في استفتاء تقرير المصير المقرر مع نهاية العام الجاري باشراف الامم المتحدة.
وتقع مدينة الزويرات في ولاية “تيرس الزمور” التي تحتضن في الاصل بعض القبائل الشمالية المورتيانية ذات العلاقات التاريخية بسكان منطقة “تيرس الغربية” الاسم الذي اطلقه الموريتانيون على ما احتلوه من الصحراء الغربية حينما تقاسموها مع المغرب في 1975. الا ان المدينة ايضاً شهدت خلال العامين الماضيين هجرات واسعة للصحراويين النازحين من المخيمات التي اقامتها جبهة “بوليساريو” في مــنطقة “الحمادة” الجزائرية جنوب تيندوف.
وهناك البدو الرحل الذين ظلوا منذ القدم يستوطنون الصحراء الموريتانية احياناً والصحراء الغربية احياناً اخرى وفرضت عليهم ظروف النزاع البقاء داخل النطاق الصحراوي الموريتاني. وتحشد “بوليساريو” في الشمال الموريتاني ما يكفي من سيارات ووسائل لنقل البدو الرحل من شتى النواحي الموريتانية الى “مكاتب تحديد الهوية” واستقبالهم واعادتهم الى مناطقهم الاصلية.
وقالت امينة بنت عبدالله، وهي تدخل مكتب الزويرات: “انا صحراوية مولودة في الصحراء وعشت في باديتها قبل الحرب. ومنذ شتتنا الحرب اعيش في الصحراء الموريتانية” وتعتقد امينة ان “الصحراء ستكون دولة مستقلة اذا كان رأي الصحراويين هو المرجوع اليه”.
ويعيش الكثير من البدو الصحراويين في الاراضي الموريتانية. ويعتبر بعضهم انه موريتاني بقدر ما هو صحراوي. ويشارك هؤلاء في الانتخابات الموريتانية مثل غيرهم من البدو.
وخلال الحرب الموريتانية ضد “بوليساريو” تعرض الصحراويون الموريتانيون والموريتانيون ذوو الصلة بالصحراء الغربية لمضايقات كثيرة من الموريتانيين الآخرين. واتهموا بتشكيل طابور خامس. ومن اهم المجموعات القبلية الموجودة في موريتانيا والصحراء قبيلة “الرقيبات” التي تشتهر بالفروسية ولعبت دوراً كبيراً في الحروب القبلية في “بلاد السيبة” الاسم الذي اطلقه بعضهم على المنطقة ايام كان السيف هو الحكم بين قبائل لا تخضع لسلطة مركزية. ولعبت الرقيبات ايضاً دوراً مهماً في التصدي للفرنسيين. وهناك “اولاد بارك الله” و”اولاد الشيخ ماء العينين” ولهما مكانة روحية في كل من موريتانيا والصحراء الغربية. وهذه مجرد امثلة بين مجموعات قبلية مفرّقة جغرافياً، موحدة من حيث العواطف.
وتواصل مكاتب “تحديد الهوية” التي افتتحتها الامم المتحدة في مدينتي نواذيبو والزويرات الموريتانيين استقبال القبائل الصحراوية وابناء الجالية الصحراوية في موريتانيا. وخصصت بعثة الامم المتحدة في الصحراء شهري ايار مايو وحزيران يونيو لتسجيل صحراويي موريتانيا.
ويعتقد بعض المراقبين ان القواعد التي اتفق عليها المغرب و”بوليساريو” تسمح لصحراويين موريتانيين ومغاربة بالمشاركة في الاستفتاء. ومن هذه القواعد ورود اسم الشخص في الاحصاء الذي اجرته اسبانيا في الاقليم في عام 1974، وشهادة شفهية من شيخي قبيلة يمثل احدهما المغرب والآخر “بوليساريو” وورود اسم عضو من الاسرة في الاحصاء. او ان يكون والد الشخص مولوداً في الصحراء، وان يثبت الشخص انه قطن الصحراء ستة اعوام متتالية او 12 متقطعة.
وتشهد الزويرات اقبالاً بدأ حاشداً لكنه اخذ في التراجع، بعد ان فُهم ان العملية لا تقتصر على التسجيل وتسلّم استمارة من مكتب تحديد الهوية، ففي البداية تقدم كل من له صلة دم بالصحراء الى المكاتب لكن مصادر موريتانية تتابع الموضوع عن كثب تقول انه لوحظ تراجع غير الصحراويين المرتبطين بـ “بوليساريو” او المغرب من مكاتب التسجيل. ويعزى ذلك الى ان الذين يسجلون انفسهم لمجرد التعاطف مع هذا الطرف او ذاك فهموا انه سيكون عليهم بذل تضحيات تتمثل في الانتقال الى المخيمات المقرر ان تقيمها الامم المتحدة داخل الصحراء وترك شؤونهم الخاصة. وهي تضحيات لا يستعد كثيرون لها. ويتوقع ان يزيد العدد على الـ 18482 الذين وجهت اليهم الدعوة رسمياً لتسجيل انفسهم في هذا المكتب على رغم التراجع الملحوظ في عدد المتعاطفين غير المرتبطين بأحد طرفي النزاع ارتباطاً قوياً.
ويبدو للزائر الذي يراقب الامور من بعد ان الصحراويين الموجودين في موريتانيا يعلنون تأييدهم لـ “بوليساريو” التي تسيطر على المنطقة في حين ان هناك مؤيدين للمغرب لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم.
شكاوى متبادلة
ورفض المراقبون المغاربة في “مكتب تحديد الهوية” في الزويرات التعليق لـ “الحياة” على مزاعم لممثلي “بوليساريو” انهم “يمارسون ضغوطاً في مجال تحديد الهوية” وهي المزاعم نفسها التي تصدر عن جماعات يعترض عليها ممثلو “بوليساريو” حينما تتقدم لمكاتب تحديد الهوية في الجزء الصحراوي الخاضع للمغرب.
وقال احمد سالك ولد احمد صالح كبير مراقبي “بوليساريو” في مكتب الزويرات لـ “الحياة” ان “الامور على العموم تجري في شكل طبيعي، لكن المراقبين المغاربة يضعون احياناً بعض العراقيل امام تسجيل الصحراويين الذين يعتقدون انهم لن يكونوا لمصلحة المغرب”. وقال انه “يتم في الاخير التغلب على هذه العراقيل بالتعاون مع مسؤولي الامم المتحدة”. وذكر ولد احمد صالح ان المراقبين المغاربة يمارسون ضغوطاً على الشيخ الصحراوي الذي يمثل الجانب المغربي “تجعله ينكر معرفة حتى من هم اقاربه”. لكنه قال ان “90 في المئة من الصحراويين في موريتانيا مسجلون في الاحصاء الاسباني الذي يوافق عليه الطرفان مما يجعل الاعتراضات من دون قيمة”.
وتصدر شكاوى مماثلة عن جماعات في الجزء الخاضع للمغرب من الاقليم، اذ يرفض الشيوخ الصحراويون الذين يمثلون “بوليساريو” تسجيلها. وتبث “اذاعة المملكة المغربية من العيون” مقابلات مع اشخاص يتهمون شيوخ “بوليساريو” بـ “التنكر لأقربائهم تحت ضغوط” من الجبهة.
ويقول المغرب ان آلاف الصحراويين يقيمون في الجنوب المغربي منذ الفترة الاسبانية هرباً من بطش الاستعمار. وهم من يصرّ على ان يسمح لهم بالمشاركة في الاستفتاء. ووصلت الاحتجاجات في المغرب الى حدّ التظاهر امام مكاتب تحديد الهوية قام بها اشخاص وجماعات لم تتم الموافقة على تسجيلهم على قوائم الناخبين.
ومثل امام مكتب تحديد الهوية في الصحراء والمخيمات وموريتانيا اكثر من 120 الف شخص. وقال مسؤول الجاليات الصحراوية في جبهة “بوليساريو” احمدو ولد سويسلم الذي التقته “الحياة” خلال زيارة له الى الزويرات انه “تم قبول 96 الف شخص. وهناك اعداد هي محل خلاف”. واتهم المغرب بـ “الاصرار على تسجيل مغاربة بأسماء صحراوية”. ونفى ولد سويلم اتهامات بأن بوليساريو تسجل الموريتانيين وقال: “نحن نتعلق بالقاعدة التي ينبني عليها مشروع الاستفتاء وهي الاحصاء الاسباني. اما الهوامش فيجري التحقيق فيها انطلاقاً من القاعدة الام. وما دامت القاعدة تستند الى الصحراويين فان الهوامش تابعة. وتعلقنا بالاحصاء الاسباني ينفي اننا نلجأ الى شحن قوائمنا بالموريتانيين”.
وزاد: “الدليل على صدق ما اقول هو انه لم يتم حتى الآن طعن جاد في الاشخاص الذي تقدمهم الجبهة”. وقال: “نحن امام هيئة دولية في مقدورها تمييز من هو صحراوي من غيره ونحن نثق بها”. وحينما سألته “الحياة” لماذا يتهم المغاربة بتسجيل غير الصحراويين ما دامت لجنة تحديد الهوية قادرة على منع ذلك، أجاب: “لم تطعن اللجنة علناً في اللوائح المغربية لكن ارتفاع نسبة الرفض الذين يتقدمون من جانب المغرب يدلّ على رفض تقرير مصير الصحراء بأصوات المغاربة”.
ورداً على سؤال يتعلق بنقل “بوليساريو” سكان البدو من مناطق متفرقة في موريتانيا ومن قبائل موريتانية وان كان لها فروع الصحراء الى مكتب الزويرات، قال ولد سالم: “الجسم الصحراوي مبعثر منذ قرون بين الصحراء الغربية والدول الجاورة، وما يجري الآن هو محاولة لتجميع هذا الشعب وتمكينه من قول كلمة الفصل بشأن مصيره”. ورفض المسؤول الصحراوي اعطاء رقم محدد للجالية الصحراوية في موريتانيا. وقال: “من الصعب جداً اعطاء رقم محدد فقد توغل الصحراويون في مناطق الشرق الموريتاني اضافة الى الشمال وذلك بسبب الحرب. ومع ان البعض يقترب شيئاً فشيئاً من منطقة الحدود منذ الهدنة في العام 1991 فان الصورة لم تكتمل بعد”.
الحياة 11يونيو 1998