قلاقل في نواكشوط.. إعلان حال الطوارئ واعتقال زعماء المعارضة
شهدت موريتانيا خلال الأيام الأخيرة ما لم يكن كثير من الموريتانيين يتوقع حدوثه. فقد نزل طلبة المدارس الى الشوارع في العاصمة نواكشوط ولم يميزوا في ما استهدفوه بين الممتلكات العمومية والخصوصية. وأدت هذه الممارسات الى اعتقال قادة المعارضة كما تزامنت مع صعود الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه الى الواجهة بعد صمت دام سبعة عشر عاماً.
وجاءت التحركات مفاجئة للرأي العام وللمراقبين وللسلطات معاً، لا بسبب انعدام الأسباب للاحتجاجات “السلمية”، انما بالنظر الى الخارطة السياسية التي تعطي الانطباع بأن المعارضة تحولت الى هياكل عظمية بسبب النزيف الحاد الذي يعرفه جسمها منذ العام الماضي، فقد ازدادت وتيرة الانسحابات الجماعية والفردية منها الى الحزب الجمهوري الديموقراطي الحاكم أو الى “قاعات انتظار” سياسية بالنسبة الى الذين لم يقرروا موالاة السلطة. وهناك الصورة الجامدة عن الشارع الموريتاني التي تقول انه لا يثور انتقاماً لـ “بطنه”. وهي صورة دعمها الواقع خلال التاريخ السياسي لهذا البلد، فقد عذب الموريتانيون وسجنوا وشردوا بسبب معتقدات سياسية أو مشاعر قومية ووطنية لا دخل للخبز فيها بصفته خبزاً يرتفع سعره يهبط.
وتوقف متتبعو الشؤون الموريتانية – بشكل خاص – عند السلوك الذي انتهجه مثيرو الشغب حينما جعلوا من الممتلكات الخاصة هدفاً لافراغ غضبهم، فقد أتلفوا الكثير من السيارات والمخابز والمحلات التجارية اضافة الى بعض الممتلكات الحكومية المحدودة. ومع أن الاحتجاج لاقى استحساناً في الرأي العام حتى في أوساط مؤيدي السلطة الذين يميلون الى تحميل التجار مسؤولية الغلاء فإن نتائجه كانت صدمة لكثيرين لأن هذه هي المرة الأولى التي يعتدي فيها موريتانيون على ممتلكات آخرين.
وكانت المفاجأة الثانية اعلان السلطات فرض حظر التجول بعد أن دفعت بالجيش والدرك والحرس الى الشوارع. وبدا أن الهدوء استعيد في شكل كامل، لكن المفاجأة لم تطل إذ سرت بعد ساعة من اعلان حظر التجول معلومات أولية عن اعتقالات في صفوف المعارضة اضافة الى العشرات من الطلاب والمواطنين العاديين، ومن أبرز الذين اعتقلوا أحمد ولد داداه مرشح الرئاسة السابق زعيم تجمع المعارضة الرئيسي “اتحاد القوى الديموقراطية” وهو الخصم اللدود للرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ورئيس حزب “الاتحاد من أجل الديموقراطية والتقدم” حمدي ولد مكناس.
وقالت المعارضة إن التظاهرات جاءت عفوية و”هي نتيجة حتمية للسياسات الاقتصادية السيئة” كما ورد في أحد البيانات. وأكدت، على ألسنة متحدثين عنها وبيانات أصدرتها أثناء الأحداث، انها تشجع التحركات التي أطلقت عليها “الانتفاضة الشعبية” لكنها لم تخطط لها. لكن السلطات أدخلت أعمال الشغب في اطار ما قالت انه مخطط لزعزعة الاستقرار السياسي.
وكانت نواكشوط شهدت في الآونة الأخيرة موجة من البيانات والدراسات الصادرة عن بعض الأحزاب والمنشورات الصادرة عن جماعات غير معروفة تتحدث كلها عن تردي الأوضاع وتحث على التحرك.
وجاءت المفاجأة الثالثة لتخلط الأوراق وتشكل نوعاً من السند لطروحات السلطة، فقد دخل الرئيس الموريتاني السابق مختار ولد داداه على خط الأحداث من خلال نداء الى الموريتانيين عبر اذاعة فرنسا الدولية. ورسم الرئيس السابق – الذي كان يتحدث للمرة الأولى منذ أطاح العسكر نظامه عام 1978 – لوحة قاتمة للوضع في بلاده التي لم يطأ أرضها منذ 17 عاماً، وأعرب عن الخوف من أن تتطور الأوضاع الى الأسوأ. ووصف في ندائه مؤسسات الدولة الموريتانية بالتفكك وأشار الى الصراع العرقي “الخطر”. ووصف الحالة الاجتماعية بالتفجر. وقال إن الحدود بين موريتانيا وجاراتها “في حالة قصوى من التوتر”. ووجه الى الموريتانيين نداء من أجل العمل على “أن تستعيد موريتانيا وحدتها في ظل التنوع الثقافي والعرقي، وأن تستعيد كرامتها وحريتها ومكانتها في افريقيا السوداء والعالم العربي”.
واستقبلت تصريحات المختار بقدر من الاستغراب في الشارع الموريتاني وأثارت تساؤلات، فالرجل اعتزل السياسة منذ خرج من القصر الرئاسي ويعيش في المنفى منذ ذلك التاريخ. وقد امتنع طيلة فترة منفاه عن الانجرار الى الحديث في السياسة أو القيام بأي نشاط يمت اليها بصلة. فما معنى اختياره هذا الوقت بالذات؟
ترد أطراف في المعارضة بأن خطورة اللحظة هي الدافع. وترد أوساط السلطة بأن هناك أموراً تدبر في الخفاء. ويذهب البعض الى اتهام فرنسا بالتخطيط لتغيير الوضع السياسي القائم وهي كلها أجوبة تترك السؤال حائراً.
ومنذ توجيه الرئيس السابق نداءه بدأت بعض الأوساط تروج أطروحة “المؤامرة الخارجية” وتفترض وجود أيدٍ فرنسية خفية. وتستند هذه الأوساط الى بعض الحقائق والافتراضات، منها علاقة مكناس بالرئيس السابق وبفرنسا التي لم تخف، على رغم مساندتها القوية للرئيس الطايع، اهتمامها بمكناس الى حد أنه من الرائج في نواكشوط أنها تدخلت لدى الطايع من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية مع ولد مكناس، وفي الواقع تقابل الرجلان العام الماضي لكن حوارهما لم يسفر عن نتائج.
وتفترض هذه الأوساط أن فرنسا تعد ولد مكناس ليكون البديل في المستقبل من ولد الطايع. وتعلل هذا الرأي بأن الرئيس الحالي لا يمكن استمرار فرنسا في دعمه نتيجة توجهاته العروبية وفرضه اللغة العربية على حساب اللغة الفرنسية. ويقول أصحاب هذا الرأي ان فرنسا قررت التحول من معاداة ولد الطايع الى دعمه بعد أن ايقنت أنه رجل المرحلة الذي لا يمكن تحاشيه وبعد أن فشلت في زعزعته عبر الحملات الاعلامية ودعم الخصوم.
86 تعليقات