موريتانيا: رحل العسكر.. لم يرحل…
نواكشوط- الشيخ بكاي– كان العام 2007 بالنسبة إلي موريتانيا عام الأحلام الكبيرة، والإحباطات، والقحط، وثورة الجياع. وقد شكل حدث واحد هو الإنتخابات الرئاسية والتشريعية أهم ما خط في أجندة هذالعام.
وتكمن أهمية تلك الإنتخابات في كون الموريتانيين أرادوها حدا فاصلا بين أنظمة عسكرية استمرت لنحو ثلاثين عاما، ونظام ديمقراطي يقوم علي التناوب والإقتراع الحر. فهل عاد الجيش إلي ثكناته؟.
كثيرون يتحدثون عن صفقة بين الرئيس الجديد والقادة العسكريين
جرت عملية الإنتقال من النظام العسكري في انتخابات اتسم الإقتراع فيها بالسلاسة والشفافية، وإن أحاطتها ظروف جعلت الشكوك تراود معظم الموريتانيين في نيات العسكرالحقيقية. فقد اتهم العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الذي كان يحكم وزملاؤه في المجلس بممارسة ضغوط علي القوي السياسية والقبلية في البلد من أجل دعم المرشح سيدي ولد الشيخ عبد الله رئيس الجمهورية الحالي.
ولم تفد تأكيدات العقيد علي ولد محمد فال المتكررة بأن القوات المسلحة خارجة من اللعبة نهائيا وملتزمة بالإنضباط في وقف سيل الإتهامات بأن الجيش يريد نصب رئيس صوري يواصل الحكم من خلفه. غير أن الحرية التي اتسم بها التصويت بشهادة مئات المراقبين الغربيين والعرب قللت من أهمية تلك الإتهامات. إلا أنه بعد مضي نحو السنة علي استلام الرئيس المدني الجديد سيدي ولد الشيخ عبد الله السلطة ما زال كثيرون يتحدثون عن صفقة بين الرئيس الجديد وقادة المجلس العسكري المنحل نال الرئيس بموجبها الدعم، واستمرت بموجبها القوات المسلحة تحكم في شكل غير مباشر.
وقال لـ بي بي سي الشيخ باي ولد الدولة عضو المكتب التنفيذي لتجمع المعارضة الرئيسي “تكتل القوي الديمقراطية” إنه “تم إبرام صفقة ينال بها ولد الشيخ عبد الله – الذي كان خارج الساحة السياسية – دعم للجيش للوصول إلي رئاسة الجمهورية، ويحافظ عبرها رموز المجلس العسكري علي الإمتيازات المادية والمعنوية والسلطوية طيلة الفترة، وهو ما نراه اليوم يتجسد علي الساحة”.
ومن دون شك نال ولد الشيخ عبد الله دعم معظم أعضاء المجلس العسكري، لكنه يعمل الآن علي تأسيس حزب خاص به يتألف في الأساس من القوي التي كانت تساند الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد احمد الطايع، ويتوقع أن يوطد وجود هذا الحزب سلطة الرئيس الجديد.
وينفي يربه ولد الصغير أحد كوادر هذا الحزب الذي هو الآن تحت التأسيس الإتهامات بوجود صفقة بين الرئيس والجيش. وقال في حديث الى بي بي سي “إن الموضوع يبقي في حدود الإشاعات، ولا دلائل أو قرائن تثبته”. ويتحدث كثيرون عن ما يطلقون عليه الثلاثي الذي يحكم البلاد خفية، ويتألف، حسب ما يقال، من قائد أمن الرئاسة الحالي العقيد محمد ولد عبد العزيز الذي لعب دورا مهما في اسقاط ولد الطايع انطلاقا من هذا الموقع، وحافظ علي الوظيفة نفسها خلال الفترة الإنتقالية، وبعد الإنتخابات، وكذا مدير الأمن العام العقيد الغزواني، وزوجة الرئيس السيدة ختو بنت البخاري. وعن هذا يقول القيادي في المعارضة ولد الدولة إن “الكل يجمع علي أن بعض رموزالمجلس العسكري البارزين الذين حافظوا علي الوظائف التي كانوا يحتلونها في الفترة الاستثنائية يتحكمون الآن في كل كبيرة وصغيرة”. ويضيف: أن “هناك رئيسا منتخبا وجماعة قوية تمارس السلطة في الخفاء بالتعاون معه”.
وينفي المقربون من السيدة الموريتانية الأولي أي تورط لها في السلطة. وهي ترفع قضايا ضد صحفيين اتهموها بالتدخل في شؤون الحكم. ويقول أنصار السلطة إن بقاء عسكريين في وظائف فنية لا يعني استمرارهم في الحكم. ويتهمون الخصوم بالمبالغة كما يقول يربه ولد الصغير. وهو يؤكد أن “مهام المجلس العسكري انتهت. وإذا كان هناك أفراد يحتلون وظائف فهذا لا يعني استمرار الجيش الذي لم نلحظ اي تدخل منه في السلطة. والرئيس يمارس مهامه بكل حرية”.
يذكر أن موريتانيا حققت خلال الفترة القصيرة من حكم ولد الشيخ عبد الله تقدما ملموسا علي المستوي السياسي وخصوصا علي مستوي الحريات إذ ينعم الموريتانيون بهامش واسع من الحرية لا يتوفر في بلدان مماثلة. وهناك مؤشرات إلي بداية اعتماد قدر من الشفافية في تسيير المال العام. غير أن أوضاع المعيشة تردت إلي درجة غير مسبوقة خلال الشهور الماضية. وضاعف من حدتها كون العام كان سنة شهباء اتسمت بالقحط.
وفي اكتوبر/تشرين الاول من عام 2007 واجهت السلطات ما كاد أن يكون ثورة جياع. فقد قتل في أعمال عنف اندلعت في بعض المدن شخص وجرح العشرات. ولم تخمد الثورة التي جاءت احتجاجا علي الغلاء إلا بعد اتخاذ السلطات جملة من الإجراءات اعتبرت ناقصة لكنها هدأت الوضع. غير أنه تجتمع السلطة والمعارضة في عدم تحميل النظام الجديد مسؤولية ما يقال إنه من مخلفات أداء الأنظمة السابقة . كما يوضح ذلك ل بي بي سي عضو المكتب التنفيذي لتكتل القوي الديمقراطية ولد الدوله قائلا إنه ” من الإجحاف تحميل النظام الحالي وحده المسؤولية التامة عن هذه الأوضاع، لكن ما يؤخذ عليه هوعدم اتخاذ المبادرات المناسبة في الوقت المناسب”.
ويعتقد مراقبون أنه لم يمض وقت يكفي لتقويم أداء ولد الشيخ عبد الله في شكل موضوعي. ومهما قيل عن وجود مراكز قوي في البلد فإن هناك شبه إجماع علي أن التطورات السياسية في العام 2007 تدفع باتجاه اعتماد كلي علي التناوب وسيلة للحكم بدلا من قبضة العسكر.
114 تعليقات