حيرة البواب سالم…صراع الرفاق و صدمة الانتخابات..
نواكشوط- الشيخ بكاي- (أرشيف)- يستقبل سالم الزوار بوجهه الطلق وفي يده كأس شاي دافئ، وفي أدب جم يطلب من الزائر الانتظار “قليلا لأن الرئيس مشغول”. وسالم في العادة متفائل وواثق من”النصر”، لكنه أمس بدا “مهموما” وهو يسأل صحافيا” : “… والآن ماذا نفعل؟…أهناك فائدة في الاستمرار؟”.
وترتسم أسئلة يائسة حائرة شبيهة بأسئلة سالم – البواب الشخصي لزعيم المعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه- على شفاه كثيرين في حزب “اتحاد القوى الديموقراطية” الذي عقد أمس دورة استثنائية لمكتبه التنفيذي بهدف”تقويم الأوضاع، ووضع استيراتيجية نضالية جديدة بعد الانتخابات الاشتراعية ” الأخيرة التى أثارت نتائجها أكثر من تساؤل حول واقع المعارضة ومستقبلها، وتركت ظلالا من الشك حول العملية الديموقراطية برمتها، وكان ولد داداه أكبر الخاسرين فيها أو هذا في الأقل ما يعتقده مراقبون سياسيون.
ويجتمع المكتب التنفيذي لحزب ولد داداه منذ أمس وسط خلافات حادة داخل قيادة الحزب بين مجموعتي”المستقلين” وهم طائفة “الرئيس”، وعناصر”الحركة الوطنية الديموقراطية” (الماركسية سابقا) .
وقالت مصادر مسؤولة في”اتحاد القوى” لـ”الحياة” إن الاجتماع مخصص لإعادة تقويم الأوضاع في ضوء الإنتخابات الإشتراعية التي أجريت في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي وفاز حزب الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطايع بكل المقاعد فيها بإستثناء واحد كان من نصيب حزب معارض صغير.
وترفض المعارضة قبول النتائج التي تقول إنها ثمرة تزوير واسع النطاق؛ إلا أن الفوز الكاسح الذي حققه”الحزب الجمهوري الديموقراطي” الحاكم، وخروج حزب”اتحاد القوى” الذي يعتبر أكبر الأحزاب المعارضة وأكثرها صدقية من المعركة في الدرجة الثانية بعد حزب “العمل من أجل التغيير” المنشق عنه بقيادة مسعود ولد بلخير، حقيقة مرة يصعب على مرشح الرئاسة السابق ولد داداه أن يتخلص من تبعاتها السلبية خصوصا أن البلاد مقدمة على انتخابات رئاسية كان ولد داداه السياسي الوحيد الذي تعلق عليه آمال في أن يكون فيها منافسا ذا صدقية للرئيس ولد الطايع .
ومهما قالت المعارضة بخصوص التزوير فسيكون من الصعب إقناع الموريتاني العادي بأن الضعف الواضح وسوء الأداء في الانتخابات الأخيرة كان بسبب التزوير. ويعرب كثيرون في أوساط المعارضة عن مشاعر الإحباط والقلق في صور متعددة. وهناك من يقولون إنه من الأفضل أن تجمد الأحزاب المعارضة نشاطها “ما دامت مهمتها الوحيدة إعطاء الانطباع للآخرين بأنه في موريتانيا ديموقراطية” كما قالت سيدة مؤيدة لولد داداه.
ومثل البواب سالم يقول سياسي كبير: “إننا في ورطة حقيقية إذ من غير المعقول أن نستمر في خوض انتخابات محسومة النتائج سلفا، كما لا نستطيع أن نخذل غالبية من الموريتانيين تضع فينا ثقتها”. ويحاول “اتحاد القوى الديموقراطية” تجاوز أزمة الانتخابات الماضية، وهناك شعور عام بضرورة “تغيير الأساليب”. ويعرب مسؤولون في الحزب عن وجود الكثير من القصور في الأساليب المنتهجة.
وقال عضو المكتب التنفيذي في الحزب جميل ولد منصور لـ “الحياة” : إنه سيتم خلال الإجتماع الحالي “وضع استيراتيجة فعالة لا تعبر بالضرورة عن روح ردة الفعل لكن في الوقت ذاته لا تعتبر استمرارا في وضع المعارضة التي تشرع للنظام وجودا مزيفا”. وقال إن هذه هي المرة الأولى التى يحصل فيها إجماع في صفوف المعارضة على أسلوب سياسي معين. وتحدث ولد منصور عن “تنازلات غير متوقعة” من “اتحاد القوى” لأحزاب المعارضة بهدف رص الصفوف. وقال أن”توحيد المعارضة الآن نقطة مركزية في إتجاه الحزب مهما كان الثمن”.
وتتهم أحزاب المعارضة الأخرى عادة حزب ولد داداه بمحاولة بسط هيمنته عليها وفرض تصوره للأمور.
وأوضح منصور أن هناك”حاجة إلى خطاب سياسي واضح يعبأ حوله الموريتانيون”، وإلى”إستيراتيجية نضالية تربط الحزب أكثر بقاعدته”. وأوضح أن خطاب المعارضة “كان يركز على العموميات، والوقت الآن هو للتركيز على التفاصيل”. وقال إن”الفترات الإنتخابية أظهرت قدرة المعارضة على تعبئة الشارع والمطلوب الآن هو الإستمرار وكأننا في حملة انتخابية دائمة”. وأشار ولد منصور إلى أنه سيتم النركيز على قضيتين هما : “الحياة الإقتصادية وتدهور هياكل الدولة وأخلاقياتها”.
وينعقد الإجتماع الطارئ للمكتب التنفيذي لحزب ولد داداه على خلفية صراع مرير بين أثنتين من أهم المجموعات الداخلة في نسيجه هما مجموعة “المستقلين” وهم طائفة ولد داداه نفسه، والثانية عناصر “الحركة الوطنية الديموقراطية” (الماكسية سابقا).
وحل موعد الانتخابات الأخيرة بينما الصراع على أشده بين المجموعتين وتمكن ولد داداه من إقناعهما بتجميد الصراع حتى تمر الانتخابات . وتتفق الجماعتان على قيادة ولد داداه للحزب لكنهما تختلفان في معظم الأمور الأخرى. وهناك تهم متبادلة بأن الماركسيين السابقين لم ينشطوا خلال الانتخابات في الدوائر التى رشح فيها الحزب ” مستقلين”، وتوجه التهمة نفسها للمستقلين في الدوائر التى رشح فيها ماركسيون سابقون.ويتهم “مستقلون” عناصر “الحركة الوطنية الديموقراطية” بالإعداد للإنسحاب من الحزب إلى الحزب الحاكم.
وتحالفت “الحركة الوطنية الديموقراطية” مع الأنظمة العسكرية التى حكمت في موريتانيا خصوصا حكمي المقدم محمد خونا ولد هيدالة (1980-1984) والعقيد معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع(1984-1992) لكنها انقسمت مع دخول موريتانيا عهد التعددية العام 1991 حيث استمرت عناصر في دعم ولد الطايع الذي انتخب رئيسا للجمهورية فيما قررت عناصر أخرى معارضته.
وإذا ما انسحب الماركسيون السابقون من حزب ولد داداه فإنهم يصبحون المجموعة الخامسة التى تهجر زعيم المعارضة إلى السلطة أو لتشكيل أحزاب معارضة؛ وسيكون انسحابها – وهو منتظر- ضربة قوية جدا لـ “الرئيس” احمد ولد داداه الذي تكفي نتائج الانتخابات الأخيرة (بغض النظر عن التزوير من عدمه) لإضعاف حظوظه في الظهور المرشح الأكثر صدقية في وجه الرئيس ولد الطايع بعد نحو العام.
وبرغم دعوات من بعض أطراف المعارضة إلى تناسي الخلافات والدخول في جبهة موحدة إلا أن العارفين بخفايا الأمور يقللون من حظوظ ولد داداه في خلق جبهة معارضة قوية انطلاقا من حقائق الأحزاب المرشحة، فهي إما أحزاب قومية عربية تتناقض مع “اتحاد القوى” في كل شيء إلا معاداة النظام، أو مجموعات منشقة عن الحزب في إطار الصراع على النفوذ. وسيكون من الصعب أن تقبل بقيادته وهي في أحزاب خاصة بها بعد أن لم تقبل بهذه القيادة داخل حزب واحد.
“الحياة” اللندنية بتاريخ 19-11-1996