موريتانيا: إصلاحات ديمقراطية.. حظر المعارضة وقمع الخصوم
نواكشوط- الشيخ بكاي- (أرشيف)- ديموقراطية بلا معارضة؟ أو انفتاح على من يحترمـون اللعبة؟ أم استـخدام للديموقراطية في “محاربة التطرف”؟ أسئلة أثارتها الاصلاحات الديموقراطية “المهمة والمطلوبة” التي أعلنها الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد أحمد الطايع بعد قرار بحل تجمع المعارضة الرئيسي في البلاد. وسلسلة من أعمال القمع ضد المتظاهرين المؤيدين للانتفاضة الفلسطينية، واعتقالات في صفوف السياسيين.
الرئيس الطايع أعلن انه سيدخل اصلاحات على النظام الانتخابي تضمن مشاركة أكثر لكل الفاعليات السياسية. وتتمثل هذه الاصلاحات في اعتماد “شكل من النسبية” في الانتخابات. ومن شأن هذا الاجراء ان يشجع كسر احتكار الحزب الجمهوري الحاكم للمقاعد في الهيئات المنتخبة خصوصاً بعد اعتماد بطاقة الهوية الجديدة – غير القابلة للتزوير، والتي يتوقع ان تكون في أيدي الموريتانيين قبل الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل. ووعد الرئيس الموريتاني “بدراسة أفضل السبل” لتمويل الاحزاب السياسية و”تغطية نشاطاتها في وسائل الاعلام” الرسمية. وتعتبر هذه الاصلاحات مهمة بالنظر الى انها شكلت على مدى الاعوام الماضية جزءاً من مطالب المعارضة، ومن شأن ادخالها تحسين الديموقراطية الموريتانية التي ظلت تشكو من سيطرة الحزب الحاكم على الهيئات المنتخبة. واحتكاره وسائل الدولة المادية على رغم ان هذه الاصلاحات لا تمثل كل المطالب التي ترفعها الاحزاب السياسية، فإنها تعتبر انفتاحاً من شأنه تشجيع المعارضة التي دأبت على مقاطعة الانتخابات على وقف اسلوب المقاطعة.
ترحيب وتشكيك
ولكن أي معارضة؟ ومن المستهدف بهذه الاصلاحات؟ وما هو مغزاها في هذا الوقت بالذات؟
تأتي وعود الرئيس الطايع وسط تفاعل الأزمـة السياسية الناجمة عن حظر السلطات لحزب “اتحاد القوى الديموقراطية” الذي يقوده احمد ولد داداه. وهو تجمع المعارضة الرئيسي في البلاد والخصم الحقيقي لنظام الحكم، ورافع الشعارات المطالبة باصلاحات ديموقراطية مع غيره من التشكيلات السياسية الصغيرة المنضوية تحت لواء “جبهة أحزاب المعارضة”. وقـد حلت السلطات هذا الحزب في 28 تشرين الأول اكتوبر الماضي بتهمة التحريض على العنف.
وتراوحت ردود الفعل في الشارع السياسي على هذه الاصلاحات بين الرفض والتشكيك والترحيب، وجاء الترحيب على لسان زعيم حزب “اتحاد القوى التقدمية” محمد ولد مولود. ويضم هذا الحزب الذي يعمل خارج جبهة أحزاب المعارضة الموريتانية “المتمركسين” السابقين الذين انشقوا قبل عامين عن حزب ولد داداه. ويصنف بعضهم هذه المجموعة في اطار القوى التي “تحتل منزلة بين السلطة والمعارضة”. وهي تتهم جبهة أحزاب المعارضة بالتطرف. لكن المجموعة تقول انها حزبا معارضاً لا علاقة له بالسلطة، لكنه “يتفهم” الأوضاع ويدعو كل الأطراف الى التنازل من أجل استمرار الديموقراطية.
واعرب ولد مولود عن أمله في ان تقود هذه الاصلاحات الى انفتاح عام. وقال انها انفتاح على الاحزاب، لكن بقي الانفتاح على الرأي العام “الذي حدثت قطيعة بينه والسلطة بسبب الموقف الرافض لقطع العلاقات مع اسرائيل”، مشيراً ايضاً الى حل السلطات حزب “اتحاد القوى الديموقراطية” المعارض. لكن جبهة أحزاب المعارضة شككت في هذه الاصلاحات. وقال صار ابراهيما الأمين العام لحزب “العمل من أجل التغيير”، القوة الثانية في الجبهة بعد “اتحاد القوى” انها “مريبة” لأن “توسيع قاعدة الديموقراطية يتنافى مع حظر حزب بأهمية اتحاد القوى الديموقراطية”. واعتبر ناطق باسم “اتحاد القوى الديموقراطية” المحظور ان “هذه الاصلاحات بلا معنى”.
وقال عضو اللجنة التنفيذية في الحزب أحمد ولد الأفضل لـ”الوسط”: “إن الرئيس ولد الطايع الآن وحده في الساحة، بعد حل حزبنا، ويستطيع القيام بما يريد، لكن هذه الاصلاحات لن تخدع أحداً لأن المعارضة الحقيقية هي اتحاد القوى الديموقراطية وهذا تم حله”.
وقال ان “الاصلاح الحقيقي يأتي عن طريق لجنة مستقلة تتشاور مع احزاب موجودة. لا اجراءات اتخذها فرد يتحكم في آلياتها وقادر على ان يوجهها الوجهة التي تعجبه”.
وفي شكل عام ينظر الشارع الموريتاني بنوع من الارتياب أو الاستغراب في الأقل، الى هذه الاصلاحات خصوصاً انها تأتي مباشرة بعد سلسلة من الاجراءات “اللاديموقراطية” المتتابعة. بدأت بقمع التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ضد اسرائيل. وهي التظاهرات التي زاد تأجيجها تكرار السلطات انها لن تقطع علاقاتها مع الدولة العبرية. والتعليقات “الاستفزازية” التي كانت وسائل الاعلام الرسمية تنتقد فيها ما تصفه بالمزايدات الداعية الى قطع العلاقات العربية – الاسرائيلية. وجاء في خضم التظاهرات حظر اعادة بث قناة “الجزيرة” القطرية التي اتهمت بتحريك الشارع، من خلال تغطيتها للانتفاضة. وتلا ذلك حل تجمع المعارضة الرئيسي “اتحاد القوى الديموقراطية” واعتقال عدد من قادته تم الافراج عنهم، ثم اغلقت السلطات محطة “اف.ام” التي تبث منها اذاعة فرنسا الدولية برامجها الى الموريتانيين في نواكشوط بتهمة تغطية تفاعلات الانتفاضة الفلسطينية على الساحة الموريتانية في شكل “غير محايد ويضرّ بسمعة البلاد”.
معارضة مدجنة ومعارضة متطرفة
ويعتقد مراقبون ان اعلان السلطات ادخال بعض الاصلاحات في غياب حزب المعارضة الرئيسي عملية لا تخلو من بعض الذكاء اذا ما تم التحكم في مضاعفات حل الحزب. ذلك ان اي نتائج تحققها الاحزاب الصغيرة المعارضة الاخرى في الانتخابات لن تكون ذات تأثير كبير على مكانة الحزب الحاكم. وفي الوقت ذاته تحقق السلطات انجازاً كبيراً لنفسها اذا هي تمكنت من اقناع حلفاء ولد داداه في الجبهة المعارضة بالتخلي عنه من خلال المشاركة في مسلسل ديموقراطي تدخل عليه اصلاحات مقبولة. ففي هذه الحال يكون هناك نوعان من المعارضة: معارضة ديموقراطية تشارك وتحترم القانون، ومعارضة متطرفة تخرق القانون وترفض المشاركة السلمية. ولن يبق في هذه الحالة امام ولد داداه الذي لا يحظى بإطار شرعي، يتحرك فيه، الا اللجوء الى اعمال عنف غير قادر على الاستمرار فيها حتى تحقيق أهدافه. او في الاقل ممارسة نشاطاته من خلال توزيع البيانات السرية، والكتابة على الجدران، وهي الممارسة التي عادت الى الواجهة منذ حظـرت السلطات هذا الحزب. بعدما كانت قد اختفت منذ تحولت الحركات السرية الى العمل العلني في اطار النظام التعددي الذي اعلن في العام 1991.
ولا يعتقد المراقبون انه في مقدور حزب ولد داداه المحظور احداث تطورات امنية او سياسية دراماتيكية، لكن مع ذلك، يرون انه في مقدور هذا الحزب ارباك نظام الحكم ودفعه الى ردود الافعال العصبية، التي توسع دائرة الاستياء في الشارع، ما يشغل السلطة، ويحول اهتماماتها الى ادارة الوضع الامني، خصوصاً ان الحزب اعلان، في تحد واضح للسلطة، انه “قائم بقياداته وتنظيماته”، وان “الجديد هو اغلاق المقرات التي استبدلت ببيوت كل الموريتانيين” ما ورد على لسان عضو اللجنة التنفيذية احمد ولد الافضل. واذا ما اظهر الحزب قدراً من الجدية في هذا الاتجاه فإنه قد يضع السلطات امام خيارين: اما السكوت على الامر الواقع والتغاضي عن مواصلة الحزب نشاطاته من دون ترخيص واما اعتقال معظم القادة، وهذا يرفع رصيدهم في الشارع ويجذّر صورة النظام القمعي التي تعمل المعارضة على اظهار السلطة بها.
مضاعفات الانتفاضة
ويجد حزب ولد داداه الآن دعماً في الاستياء الداخلي العام ازاء الاوضاع السياسية والاجتماعية ومضاعفات الانتفاضة الفلسطينية في الشارع الموريتاني. وهو ايضاً فيما يبدو يعوّل على دعم فرنسي في ضوء تردي العلاقات الموريتانية – الفرنسية. ولم تتأخر مساندة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي اعلن من مؤتمره الذي انعقد اخيراً في غرينوبل في فرنسا تنديده بقرار حل الحزب، واعتبره “خطراً، ويدعو الى القلق بشأن الديموقراطية والاستقرار في هذا البلد”. ودعا المؤتمر في بيانه الى “الالغاء الفوري لقرار الحل، واستئناف المسلسل الديموقراطي”. ودان “اعتقال القادة السياسيين والمناضلين في الحزب في ظروف غير انسانية ومهينة في خرق للقوانين الموريتانية والمعايير الديموقراطية”.
ويذكر ان علاقة الحكومة الموريتانية ظلت على الدوام سيئة مع الاشتراكيين الفرنسيين، لكن قوة الروابط مع اليمين الفرنسي ضمنت علاقات جيدة بين موريتانيا وفرنسا حتى الأزمة التي نشبت قبل عام بين الطرفين، بسبب طرد الحكومة الموريتانية 40 مستشاراً عسكرياً فرنسياً كانوا في البلاد. رداً على اعتقال السلطات القضائية الفرنسية ضابطاً موريتانياً كان في دورة تدريبية في فرنسا متهمة إياه بتعذيب موريتانيين سود. وعلى رغم ان الضابط هرب الى بلاده من دون ان يبرئه القضاء الفرنسي في ظروف غامضة، فإن العلاقات ظلت سيئة، وجاء طرد الملحق العسكري الفرنسي في ايلول سبتمبر الماضي متهماً بالتورط في مؤامرة ضد السلطات دليلاً على ان التوتر ما زال قائماً.
وهذا، ربما، يفسر اندفاع الحكومة الموريتانية بعيداً في التشبث بالعلاقات مع اسرائيل، الأمر الذي اعتبره المراقبون بحثاً عن دعم اميركي يحل محل الدعم التقليدي الفرنسي. وتسعى الولايات المتحدة الى احتلال مواقع نفوذ في القارة الافريقية على حساب الفرنسيين. وتحسنت العلاقات الموريتانية الفرنسية في الآونة الأخيرة الى درجة سمحت بتنفيذ مناورات عسكرية مشتركة بهدف دعم “الاستقرار الاقليمي”. وتقدم واشنطن المساعدة في مدرسة عسكرية موريتانية في مدينة القوارب الواقعة على الحدود مع السنغال >
تفاصيل النشر:
المصدر: الوسط
الكاتب: الشيخ بكاي
تاريخ النشر(م): 11/12/2000
تاريخ النشر (هـ): 15/9/1421
منشأ: نواكشوط
رقم العدد: 463
الباب/ الصفحة: 28 – 29 – موريتانيا
15 تعليقات