تجد الحكومة الموريتانية نفسها الآن في حرج صنعته بنفسها وهو حرج قد يكون مبررا من جهة ولكن التعاطي معه تم بطريقة تطبعها الاستعجالية مثل العديد من القرارات التي اتخذت مؤخرا – وهي قرارات كان يمكن أن تكون أكثر فائدة لو تم التعاطي معها بطريقة أكثر هدوء ، وبعدا عن السرعة المفرطة – هذا الحرج هو ذلك المتمثل في التعاطي مع الضغوط الغربية من أجل الإفراج عن ناشطين سلفيين تطالب ” قاعدة المغرب العربي ” بالإفراج عنهم كشرط أساسي للإبقاء على حياة المختطفين لديها أو إطلاق سراحهم ، ووجه الإحراج أن سرعة التعاطي مع الملف واستدعاء السفير الموريتاني من مالي وإن كان إجراء سياديا لايحق التدخل فيه إلا أنه لم يراع واقع الحال في موريتانيا التي تختلف عن الجزائر في عدة أمور منها أن مستوى القدرات العسكرية مختلف ، كما أن الجزائر ليست في ورطة كتلك التي تعانيها موريتانيا من جراء خطف أجانب على أرضها يهدد التنظيم المتطرف بقطع رؤوسهم في كل وقت ، مما يعني ضرورة التعاطي مع الملف ببعض المرونة التي لاتعني الرضوخ لشروط القاعدة بقدر ماتعني ترك مساحة للمناورة حتى ولو كانت تلك المساحة الإعلان عن حسن نية تجاه بعض المنتمين للتيار السلفي ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء وأعلنوا توبتهم ( مجموعة 47) فهذه المجموعة كان يمكن أن تستفيد من العفو الرئاسي بطريقة تجعل الدولة الموريتانية تضرب عصفورين بحجر فمن جهة تكافئ التائبين وتجعلهم يحصلون على التقدير المعني من وطنهم ، ومن جهة أخرى تفاوض على إطلاق سراح المختطفين لدى القاعدة وتسوق هذا الإفراج لدى الإعلام الغربي والدول الغربية الصديقة التي لاتزال تتعامل مع الموضوع ببعض الاحترام لسيادة موريتانيا وتتعامل بقدر من الحصافة مع ماولدته ردة الفعل الموريتانية المتشنجة تجاه جمهورية مالي ، ولكن تلك الدول لن تتساهل إذا وجدت أن رعاياها سيدفعون أرواحهم ثمن حديث موريتانيا غير المصحوب بفعل على الأرض عن رفض للتفاوض مع (الإرهابيين ) فكلنا نعرف أن النصر الذي أحرزته موريتانيا مؤخرا على تجار المخدرات هو نصر رغم أهميته إلا أنه يبقى تكتيكيا ، ومفعوله مؤقت ، ولايكفي للبناء عليه في رفض التفاوض مطلقا مع منظمة لاتزال تختطف رعايا أجانب أخذتهم من على التراب الموريتاني ! مما يعني المسؤولية الأخلاقية للحكومة الموريتانية عن مصيرهم وهي مسؤولية تجعل من فعل شيء ملموس أمرا لامفر منه بدل تكرار الاسطوانة المشروخة برفض الحديث أو التفاوض دون إعطاء بديل ، فالعلاقات الدولية لاتخضع للأمزجة، ولايحكمها منطق الحق أو الثبات بل هي متحركة تنسجها مجموعة من الخيوط المتشابكة التي إذا فقد منها أي خيط بوصلته لأي سبب فإنها تأتي بنتائج عكسية وتحقق من المضار أكثر مما تجلبه من المصالح وهو أمر على الحكومة الموريتانية أن تدركه قبل فوات الأوان وتتعامل معه مستفيدة من النصر الذي حققه الجيش على الأرض ومن رغبة الدول الغربية في إعطائها مساحة زمنية للتفكير ، ومن توبة العديد من السلفيين وإلا فإن كل هذه الأوراق ستفقد معناها جميعا لنعود إلى المربع الأول الذي لايرغب فيه أي موريتاني لديه ذرة من وطنية أو ضمير .
مقالات ذات صلة
أسئلة على هامش تاريخ الكادحين(5) ..الموقف من الاستيلاء علي السلطة بالعنف ؟
8 فبراير 2021، 21:05 مساءً