الأول خبير متفجرات صمم الحذاء المتفجر.. والثاني كان على علاقة بمدبري هجمات سبتمبر
عندما وصل طارق السواح، المقاتل الخبير في حروب أفغانستان والبوسنة، إلى معتقل غوانتانامو في مايو (أيار) 2002 لم تعد هناك معركة أمامه ليخوضها. فعندما اعتقلته القوات الأميركية كان لا يزال يتعافى من جراحه التي لحقت به في يديه وظهره وفخذية وردفيه جراء إصابته في انفجار قنبلة عنقودية في جبال أفغانستان.
بعد ثلاثة أشهر، لحق به محمدو ولد صلاحي، الذي ارتبط بمجموعات أصولية في ألمانيا في السجن العسكري. خلال التحقيقات هدد المحققون المقنعون المعتقل الموريتاني بالموت، فيما حرمه آخرون من النوم عبر استخدام الأصوات الصاخبة والأضواء الكثيفة، مما أوشك معه على الانهيار العقلي.
وعن المعاملة التي لقيها الاثنان لدى دخولهما المعتقل قال المسؤولون العسكريون إن هناك تشابها بسيطا في الطريقة التي عومل بها الاثنان في البداية. ولم تتداخل مساراتهما إلا عندما أقدما على الخيار ذاته بالتعاون مع الولايات المتحدة. وقد أصبح السواح (52 عاما) وصلاحي (39 عاما) أبرز عميلين لدى الولايات المتحدة كانا موجودين في غوانتانامو من قبل. ويقيم الاثنان الآن في مجمع محاط بسياج داخل السجن العسكري، حيث يعيشان حياة مترفة إلى حد ما – حيث يستطيعان القيام بأعمال البستنة والكتابة والرسم – بمعزل عن المعتقلين الآخرين مكافأة وحماية لهم. ومع محاولة إدارة الرئيس باراك أوباما إغلاق المعتقل، بات السواح وصلاحي معتقلين فيما يشبه قفصا من ذهب. فزملاؤهما السابقون يرغبون في الانتقام منهما لردتهما، وتعاونهما مع الولايات المتحدة، التي كافأتهما، لكنها رفضت في الوقت ذاته إطلاق سراحهما. يرى بعض المسؤولين الأميركيين أن على الولايات المتحدة إطلاق سراحهم، وإلحاقهم ببرنامج حماية الشهود بالتعاون مع الحلفاء من أجل زرع المزيد من المخبرين.
فيقول باتريك لانغ، ضابط استخبارات عسكرية بارز متقاعد «لا أرى مبررا لعدم منحهم حق اللجوء السياسي، فإذا لم ندر الأمر على نحو صائب سيكون من الصعب علينا إقناع الآخرين بالتعاون معنا. ولو كنت لا أزال في عملي لأعلنت أننا نحميهم لأن في ذلك إعلانا جيدا عن أنفسنا». وعقب على ذلك مسؤول عسكري في غوانتانامو بأن هذا الاقتراح منصف، بيد أنه صعب التنفيذ.
ربما لا يكون لدى الحكومة خيار في حالة صلاحي، فقد أصدر قاض فيدرالي، هذا الأسبوع، أمرا بإطلاق سراح صلاحي لفشل الولايات المتحدة في تقديم أدلة تبرر استمرار اعتقاله. ربما تستأنف الحكومة الحكم، حتى وإن لم تفعل فقد يستغرق الأمر شهورا حتى يتم اتخاذ ترتيبات ترحيله أو إيجاد دولة راغبة في استقباله.
وقالت نانسي هولاندر، محامية صلاحي «بعد كل هذه المزاعم اتضح أنه ليس شخصا سيئا، فلم يستطيعوا إثبات شيء ضده. لذا يجب علينا أن نبحث الآن عن المكان الأكثر أمنا بالنسبة له، وآمل أن تسهم الولايات المتحدة في ذلك. أنا أرغب في إطلاق سراحه، لكن بشرط أن يكون حرا وآمنا».
هذا التسلسل للأحداث التي شهدها الرجلان استقيناه من لقاءات مع أكثر من عشرة محققين حاليين وسابقين في الاستخبارات العسكرية، والذين تحدث البعض منهم شريطة عدم ذكر اسمه، لأن المعلومات بشأن المعتقلين سرية، استكملناها بالتقارير الحكومية والوثائق العسكرية ونصوص التحقيقات أمام جلسات الاستماع التي عقدتها المحاكم العسكرية التي تحدث أمامها صلاحي والسواح. ولم يسمح الجيش للصحافيين بمقابلة المعتقلين.
ووفق جميع الروايات تحول غوانتانامو إلى منزل بالنسبة للسواح وصلاحي، فكلاهما يحظى بجناح مستقل، به جهاز تلفزيون وثلاجة بها جميع أنواع الأطعمة، ويتشاركان حديقة حيث يزرعان النعناع من أجل الشاي. يصف بعض العسكريين في غوانتانامو الاثنين – تورد التقارير أنهما أصبحا متقاربين جدا ـ- بأنهما «الثنائي الغريب»، فقد زاد حجم السواح، 5 أقدام و10 بوصات (والذي يتسم بقلة الكلام) إلى 400 رطل، فيما لا يزال صلاحي قصيرا ونحيفا.
قام السواح، الرسام النشط، بتزيين غرفته بمشاهد المحيط بالألوان المائية، وسمح له بالتنزه على الشاطئ في ظل حراسة، وقد استغل أوقات فرغه في غوانتانامو لكتابة مذكراته الشخصية. وقال أمام هيئة المحكمة العسكرية في وصف مشروع كتابة مذكراته، التي يأمل أن يفرج عنها وتنشر ذات يوم «إنها نوع من الدعاية».
خلال العقد الذي سبق هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 200 كان صلاحي يظهر على رادار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بين الحين والآخر كلاعب، لكنه لم يكن ذا مكانة غير مؤكدة.
يذكر أن صلاحي ابن تاجر جمال موريتاني، سافر إلى أفغانستان للمرة الأولى عام 1990 للقتال ضد الحكومة الشيوعية في كابل، ثم عاد مرتين خلال الأعوام القليلة التالية، وبايع أسامة بن لادن حيث كان محفوظ ولد الوليد، صهر صلاحي، يرأس اللجنة الدينية. وقال صلاحي فيما بعد للمحققين إنه يعتقد أن ولد الوليد استخدم واحدا من هواتف بن لادن التي تعمل بالأقمار الصناعية للاتصال به لتحويل أموال لعائلته في موريتانيا. وبعد أن غادر أفغانستان وجد صلاحي نفسه متصلا على نحو متكرر مع المتطرفين. وفي ألمانيا حيث تلقى منحة أكاديمية في عام 1998 ليدرس الهندسة الكهربائية، شمل معارفه عددا من الأفراد الذين اتهموا في تفجير المعبد اليهودي في تونس، وخطة تم إحباطها لمهاجمة منتجع في جزيرة لا ريونيون الفرنسية في المحيط الهندي. كما التقى أيضا باثنين من قائدي طائرات 11 سبتمبر، إضافة إلى رمزي بن الشيبة أحد المدبرين للهجمات.
وخلال إقامته في كندا، التي انتقل إليها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، كان صلاحي يؤم الصلاة في مسجد كان يحضره أحمد رسام، الجزائري الذي أدين فيما بعد بما يعرف بـ«مؤامرة الألفية»، لتفجير مطار لوس أنجليس الدولي عشية عيد الميلاد من ذلك العام.
اتصالات صلاحي بالإرهابيين جعلته موضع اهتمام الاستخبارات الغربية في عام 2001، وبعد أسابيع قليلة من أحداث 11 سبتمبر، خلال وجوده في موريتانيا، استدعته قوات الأمن وقالوا له إن الأميركيين يرغبون في استجوابه، لكن صلاحي نقل إلى الأردن حيث مكث هناك ثمانية أشهر ثم إلى غوانتانامو.
خلال جلسة الاستماع أمام المحكمة العسكرية، أدرك ما افترض أنه قضية عسكرية ضده، وبدا مدركا أنه لن يغادر المعتقل في المستقبل القريب. وقال صلاحي خلال الجلسة «انظروا إليّ، التقيت بأحد ناشطي (القاعدة) الموالين لأسامة بن لادن والمتهم بتبييض أموال، وكنت أؤم الصلاة في مسجد كانت ترتاده مجموعة خطرة، لا بد أن هناك أمرا ما سيحدث».
رد رئيس المحكمة بالقول «إنه لا يبدو جيدا».
رد صلاحي «كلا، لا أعتقد أنه يبدو جيدا على الإطلاق».
وصل صلاحي إلى غوانتانامو عندما اعتقل ابن الشيبة في باكستان. ودللت بعض إفادات المشتبه به اليمني للمحققين العسكريين بأنه أكثر قيمة مما كان يعتقد.
وقال صلاحي في لغة إنجليزية عامية تعلمها خلال وجوده بالسجن: «لقد رأيت ابن الشيبة هذا بالفعل». وأشار إلى أن ابن الشيبة واثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر، هما مروان الشحي وزياد جراح، قضوا ليلة في منزله في ألمانيا. لكنه أنكر مزاعم ابن الشيبة بأنه قام بإرسال أفراد إلى أفغانستان. وقال إنه أرسل فيما بعد رسالة يتحدى فيها مزاعم ابن الشيبة. وفي منتصف عام 2003، أصدرت المحكمة حكمها بأن صلاحي معتقل ذو قيمة عالية، يجب أن يخضع لخطة استجواب خاصة وافق عليها وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد شخصيا. ووجد التحقيق الذي أجراه مجلس الشيوخ خضوع صلاحي لانتهاكات جسيمة، إضافة إلى تهديدات بالقتل، وأُخبر كذبا بأن والدته معتقلة وستوضع في زنزانة مع الرجال في غوانتانامو ما لم يعترف. تعرض صلاحي للحرمان من النوم والضوء المكثف وموسيقى الروك الصاخبة. وفي أواخر أغسطس (آب) أجبر صلاحي على ارتداء نظارات سوداء، وحمل في جولة على قارب، وقال إن مجموعة من العرب ذوي لكنات أردنية ومصرية كانوا يضربونه، ويهددونه بالتعذيب، وكانوا يناقشون أي الدول ستتلقاه. وأشار مسؤولون عسكريون سابقون إلى أن شدة خوف صلاحي ويقينه بتعرضه للقتل جعله يبول على نفسه. ووجد تحقيق الكونغرس وثيقة تشير إلى أن التحقيق بدأ يؤثر على قدرات صلاحي العقلية. فيقول أحد المحققين إن صلاحي بدأت تراوده الهلاوس السمعية. وفي سبتمبر نقل الموريتاني إلى منشأة أصغر حجما في غوانتانامو هي «كامب إكو».
بعد ذلك بدأ في تقديم المعلومات التي ساعدت المسؤولين في تبيان مخطط العلاقات بين الراديكاليين الإسلاميين في أوروبا. وعلى خلاف صلاحي، كان السواح مستعدا لتقديم المعلومات من البداية. وكان لدى السواح، الذي كان صانع قنابل ماهرا وحارب في أفغانستان، الكثير من المعلومات ليكشف عنها للأميركيين وأصبح في النهاية «مصدرا لـ150 تقريرا جيدا للغاية للمعلومات» وذلك وفقا لضابط سابق في الاستخبارات العسكرية. وذكر هذا المسؤول «لقد كان نموذجا للجندي القديم الذي كانت لديه معلومات كثيرة. فبعد نقله إلى غوانتانامو مباشرة، أخبر المحققين بأن لديه هذه المعلومات».
والسواح عالم جيولوجي عن طريق التدريب، وفي اليونان عندما شاهد ما وصفه على أنه مقطع مرئي يعرض الأعمال الوحشية التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين، قرر وهو العضو سابقا بجماعة الإخوان المسلمين، الانضمام إلى صفوف المجاهدين في البوسنة. وتزوج من امرأة من السكان المحليين وحارب في الجيش مع غيره من المجاهدين الأجانب. ومع ذلك، بعد أربع سنوات من وصوله إلى البوسنة، تعرضت السلطات البوسنية إلى ضغوط أميركية من أجل طرد المجاهدين السابقين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن عددا منهم كان مرتبطا بمؤامرة الألفية في لوس أنجليس. وغادر السواح البلاد.
وكان السواح، الذي اكتسب خبرة القتال من حرب البلقان، جنديا بارزا في أفغانستان. وأطلق الجيش الأميركي الاتهامات بأن السواح تدرب على أيدي خبير بالمفرقعات في تنظيم القاعدة، وبعدما أظهر الاستعداد، تم إرساله لتلقي مزيد من التدريب في أحد معسكرات التدريب التابعة لـ«القاعدة» في قندهار. وعند نقطة معينة، وفقا لوثيقة عسكرية، صمم السواح نموذجا لقنبلة الحذاء، والتي «تتوافق من الناحية الفنية مع تصميم قنبلة الحذاء» التي استخدمها ريتشارد سي ريد، المهاجم البريطاني الشهير. كما ألف كتابا مكونا من 400 صفحة حول تصنيع القنابل، وفقا لما ذكره الجيش.
وفي غوانتانامو، وبعدما أعرب بعض المسؤولين عن شكوكهم بشأن الادعاءات الموجهة ضد السواح بشأن تصنيع القنابل، أثبت السواح أنه من الممكن أن يفعل ذلك، مظهرا بعض الرسوم والتصميمات. ومن بين هذه الرسومات، وفقا لمسؤول عسكري سابق، كان هناك تصميم لأداة قال إنها من الممكن إلحاقها بهيكل السفينة تحت الماء. وأضاف المسؤول أن القوات البحرية صنعت هذه الأداة واختبرتها، وبعد ذلك أثبتت فاعليتها. وقال المسؤول «بكل وضوح، كان على علم بما كان يفعله. لكن الأمر بدا دوما وكأنه أشبه بوظيفة أكثر منه واجبا دينيا بالنسبة للسواح».
وفي الواقع، ذكرت وثيقة عسكرية عام 2008 أن خيبة أمل السواح في حياته القديمة كانت عميقة جدا، لدرجة أنه «تخلى عن الإسلام وأصبح ملحدا». وعندما رأت وفود من الكونغرس الأميركي زارت معتقل غوانتانامو أحد المعتقلين أثناء استجوابه، تم وضع السواح، طواعية منه، أمامهم، وفقا لما ذكره مسؤول عسكري سابق. وتم إغراء هذا الرجل المصري، ذي الوزن الزائد، بوجبة سريعة من أحد المحال في القاعدة. وبعد ما يقرب من ثمانية أعوام لدى وصولهم إلى غوانتانامو، جرى استنزاف جميع المعلومات التي كانت لدى صلاحي والسواح تقريبا كعملاء. وانهارت قضية صلاحي التي تصل عقوبتها إلى الإعدام عندما رفض مدعى عام عسكري المضي قدما فيها، لأن الأدلة، على حد قوله، تم الحصول عليها عن طريق التعذيب. ويعتبر مصير هذا المعتقل الآن معلقا، في الوقت الذي تراجع فيه وزارة العدل حكم المحكمة لإطلاق سراحه.
يشار إلى أنه في عام 2008، جرى اتهام السواح بالتورط في مؤامرات وتقديم الدعم المادي للإرهاب. كما أنه طعن على اعتقاله في دعوى قضائية بالمحكمة الفيدرالية الأميركية في واشنطن. ورفض المحامي الخاص به التعليق. وأقرت مراجعة تجريها وزارة العدل لقضايا جميع المعتقلين في معتقل خليج غوانتانامو، الذي جرى إغلاقه في الفترة الأخيرة، بأن السواح وصلاحي لا يحتاجان إلى معاملة خاصة. وقال مسؤول بالإدارة، في حديثه أمام المحكمة الفيدرالية بشأن صلاحي، إن الحكومة تريد إما محاكمتهم أو احتجازهم بأي شكل من أشكال الاعتقال إلى أجل غير مسمى من دون أي تهم. ويقول بعض المسؤولين العسكريين الحاليين والسابقين إنه لا بد أن تكون هناك خيارات أخرى. ستؤثر معاملة عملاء مهمين مثل صلاحي والسواح، على حد قولهم، على قدرة الحكومة على تغيير أفكار غيرهم من الجهاديين. وقال مسؤول عسكري قضى جزءا من خدمته في غوانتانامو «إننا متأخرون كثيرا في مناقشة وحل تفاصيل بعض أشكال برنامج حماية الشهود بالنسبة للشهود المهمين والمعرضين للخطر».
وقال الرئيس السابق للنيابة العسكرية في غوانتانامو لورنس موريس إن المسؤولين يفكرون دوما في تعاون المعتقل، لا سيما جودة هذا التعاون وحسن توقيته، قبل اتخاذ قرار الاتهام. وقال موريس «إننا لا نغفل العوامل الأخرى، لكن مهمتنا هي التوصل إلى أفضل الآراء من وجهة نظر جنائية». وأشار إلى أن القرار الذي تم اتخاذه لرفع دعوى ضد السواح جاء بعد مداولات مطولة ومشاورات مع مسؤولين في المخابرات.
وقال صلاحي في إحدى جلسات الاستماع في غوانتانامو إنه يريد الحصول على ملاذ آمن في الولايات المتحدة. وقال «عندما أخبرت أصدقائي الأميركيين هنا، قالوا لي لا، لا، لقد كنت في كوبا، وأنت إرهابي مشتبه به ولن تقبلك الولايات المتحدة». وأردف صلاحي قائلا «لن أجبركم أن تأخذوني. أشعر وكأني أستحق (ذلك) لأنني كنت صادقا ومتعاونا ومستعدا لتقديم المعلومات. قد أكون على خطأ؛ بكل وضوح أنا كذلك، لذا سلموني لكندا».
86 تعليقات