تنطلق اليوم في مدينة سرت الليبية قمة عربية جديدة ، في اجواء اقليمية ودولية مهيأة لاتخاذ قرار عربي حازم وحاسم لمواجهة الاستخفاف الاسرائيلي ولمواجهة الاهانات التي توجهها الدولة العبرية للارادة العربية والدولية بالسلام الذي يحفظ الحقوق العربية ولو في حدها الادنى ، فالاسرائيليون يعانون من مأزق حقيقي على الساحة الدولية في ظل التعنت والصلف الذي يشكل نهجا لحكومة نتانياهو التي تدخل في “صراع رؤى وبرامج “مع الادارة الامريكية في محاولة للاستفادة من تردد وضعف الرئيس الامريكي باراك اوباما وان كانت في اطار ” البيت الواحدة” الذي جسدته وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عندما اعلنتها بفم ملآن ان اسرائيل والولايات المتحدة “جسد واحد” وان امن اي منهما هو امن الاخر وان ما يهدد دولة الاحتلال الاسرائيلي يهدد الولايات المتحدة ، فالصراع ان صح التعبير او الخلاف في الرؤى والبرامج ” بين الادارتين الامريكية والاسرائيلية يدور فقط حول كيفية تحصين ” الامن الاسرائيلي اولا” ، ومن ثم تطويع العرب وجلبهم الى مذبح ” التسوية ” ، وحول مدى “الاثمان” التي يجب ان تدفعها الدولة العبرية للوصول الى هدفهما المشترك في تسييد دولة الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة ، فالخلاف هو بين”برنامجين” و ” رؤيتين” المحصلة النهائية لكليهما ” واحدة” ، احدهما وهو الاسرائيلي مباشر وحاد وعلني و “شفاف” للوصول الى الهدف ، والاخر الامريكي يريد ان يمرر رؤيته من ” تحت الطاولة” بصور متعددة بما يترك هامشا للطرف العربي مجالا للعب على الكلمات ، وبما يحفظ” ماء وجهه” امام شعبه .
فالقمة العربية الجديدة ، المتخمة بالقضايا العربية المتراكمة والمتضخمة ، منذ القمة الاولى قبل اكثر من نصف قرن ، والتي اتخذ بها ولها مئات القرارات التي بقيت “حبرا على ورق” بل انها لم تكن لتساوى اثمان الحبر الذي كتبت به ، تنعقد اليوم دون اهتمام من الشارع العربي ، الذي يمكنه كتابة البيان الختامي ليس لهذه القمة فحسب وانما ايضا للقمم الاخرى المقبلة ان لم تكن هذه القمة اخر القمم العربية الدورية ! ومن دون اي امل بقرارات تستنهض الهمم وتحشد الطاقات ، وتقبل التحدى والاستعداد لدفع ثمن استعادة القرار العربي المستلب ، وتوظيفها لما يعزز الامن العربي الثقافي والقيمي و السياسي والاقتصادي والغذائي والمائي ، وكل منظومة الامن العربي الذي يتعرض لغزو اجنبي ولاحتلالات باشكال مختلفة .
فالعرب الذي يجتمعون اليوم في قمتهم الجديدة ، هم وضع لايحسدون عليه ، فهم في اسوأ احوالهم واضعفها ، فهم يتلقون الاهانات والاستهتار والتحديات من نتانياهو وغيره من القادة الصهاينة ، من غير قدرة على الدفاع عن مقدساتهم التي يتآكل بعضها بانضمامه الى ” التراث اليهودي” كالحرم الابراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم ، وبعضها المهدد بالزوال وهو المسجد الاقصى المبارك مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، والقدس والعاصمة الاولى للأمتين العربية و الاسلامية اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي يجري صبغها وتعميدها بنجمة داوود و باللون اليهودي ، وسلخ عروبتها واسلاميتها جهارا نهارا وأهل القمم العربية يكتفون بالاستنكار ” الشديد” و ” التباكي ” على فرص ” السلام .. الوهم” الذي يبدده الاسرائيليون الذين لايجدون من العرب ومن هذه القمم التي فقدت معناها في ظل العجز والضعف الذي تكشفه للعالم ، ما يرغمهم على تغيير منهجهم الاحتلالي الاستيطاني ، فكيف يمكن توقع ان تغادر الدولة العبرية تعنتها وصلفها وغطرستها في وقت تفتح العواصم العربية ذراعيها للاسرائيليين ، بل وكيف لها ان تعترف بالحقوق العربية ، وتحديدا الفلسطينية منها باعتبارها جوهر “الصراع العربي الصهيوني ” الذي تحول بقدرة قادر الى “نزاع فلسطيني اسرائيلي ” على ” اراض وحدود ومياه واجواء ” أوان تكف هذه الدولة الشيطانية المنبت عن الاستيطان والتهويد والاغتيالات وهي تجد سلطة “فلسطينية” تطارد مقاومي الاحتلال في دوريات مشتركة مع جنود العدو الاسرائيلي ، اما لقتلهم او زجهم في السجون ، وتصر على رفض ” المصالحة الفلسطينية ” “ما لم تتخلى المقاومة الفلسطينية عن “برنامجها التحرري” و ” الاعتراف” بدولة الاحتلال .
وكيف يمكن ان نتوقع من الاسرائيليين ان ” يتنازلوا” ا وان يتقدموا خطوة واحدة باتجاه ” السلام العربي” ، وكيف يمكن ان يكترثوا لقمم العرب وقرارتهم ، في حين يعمل البعض عكس تلك القرارت ، وعلى سبيل المثال فان قمة عربية سابقة قررت رفع الحصار عن قطاع غزة ، فجاء التنفيذ معاكسا باقامة النظام المصري جدارا فولاذيا دعما للحصار الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة لافشال مهمة “انفاق الغذاء والدواء” .
هل ستكون قمة ليبيا مختلفة ، فتقبل التحدي وتنهض ، وتتخذ قرارات تاريخية تعيد للعرب القهم وللشارع العربي أمله بالنهوض وعودة الامة العربية الى موقعها الطبيعي بين امم العالم الاخرى التي تحشد قواها كلما تعرضت للاطماع من اي كان ومهما كانت التضحيات المطلوبة ، فليس هناك ما هو اغلى واثمن من المقدسات والارض والكرامة التي تداس من الصهيانية في كل دقيقة تمر والمسجد الاقصى تحت دنس الاحتلال الصهيوني ، هل نأمل بصحوة عربية في قمة سرت ؟ ام انه سيكون نسخة عن القمم الاخرى التي تتخذ القرارات يغلب عليها التمنى والطلب من الاخر ان يفرج عن ” قراراهم المستلب” وعن ” مقدساتهم” التي تتهود ، وعن اسقاط ” الفيتو” على “قواهم” في ” الصراع” .
وحتى تكون هذه القمة مختلفة عما سبقها من قمم عربية ، فعليها ان ترتب البيت العربي الداخلي اولا ، وان تمارس النقد الذاتي بكل شفافية ومصداقية ، قبل ان تنتقد مواقف الاخر الاجنبي وقبل اتهام الاخرين بالانحياز للاجندة الصهيونية ، وقبل ان نطلب من الاخر العمل على رفع الحصار عن قطاع غزة ومساعدة اهله على العيش الكريم ، وعدم دفعهم الى احضان العدو الاستراتيجي والتاريخي للفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين ، على القادة ان يرفعوا حصار النظام المصري المتمثل باغلاق معبر رفح الذي يشكل الرئة لاكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون على “فتات ” ما يسمع بادخاله العدو الاسرائيلي من معابره الاشبه ببوابات
السجون ، والغاء الجدار الفولاذي الذي يقدم مع اغلاق “معبر رفح” خدمة استراتيجية لدولة الاحتلال الاسرائيلي ، ولولا اغلاق معبر رفح لفشل الحصار الاسرائيلي تماما .
تعليق واحد