رغم العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ومدى الإجرام الذي إقترفه قادة إسرائيل بحق أهالي القطاع، فإن العالم لم يذهب الى حد إدانة تلك الجريمة الإسرائيلية ذلك أن الماكنة السياسية والإعلامية الإسرائيلية نجحت الى حد كبير في إقناع العالم، ولا سيما الشعوب، بأن صواريخ حماس كانت تدك أراضيها وتقتل شيوخها وأطفالها، ولعبت أيضا إسرائيل بورقة “الإرهاب الإسلامي” وهيأت للعالم بأن حماس جزءا من مخطط التمدد الإسلامي الإرهابي في العالم، وبأنها نواة كل الكتلة الإسلامية التي ضربت في نيويورك وفي لندن وإسبانيا وغيرها، وليس ذلك بغريب في كل الأحوال لأن الساحة الأوروبية كانت على الدوام، ومنذ أن حط الإحتلال الإسرائيلي في أرض فلسطين، ملعبا للإسرائيليين يستبيحونه كما يشاؤون ويتلاعبون في توجهات الرأي العام هناك كما يريدون، والنتيجة الطبيعية هي دوما الدعم الأوروبي غير المحدود لإسرائيل دون أن يكلف الأوروبيون أنفسهم بتقصي الحقيقة لمعرفة الجاني من الضحية.
أما الآن، ومنذ تفجر فضيحة إسرائيل بقيامها بجريمة إغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في أرض عربية، في دبي، كما حاولت من قبل وكما يثبت تاريخ رئيس وزرائها “الإرهابي” بنيامين نتنياهو الذي إعتدى قبل ذلك على ارض عربية أخرى عندما بعث بمجرميه لقتل مواطن أردني في العاصمة الأردنية عمان وهو رئيس حركة حماس خالد مشعل عام 1997 ، فإن أوروبا بدأت تتغير نوعا ما بعد أن تبين أن نتنياهو ورئيس موساده مائير داغان قد إستغفلا حلفاءهم الأوروبيين وإستغلوا واحدة من أهم الوثائق الاوروبية وهي جوازات السفر لتنفيذ جريمة إغتيال المبحوح، وحتى وإن كانت أوروبا “الرسمية” تريد أن تخفف من حدة الجريمة الإسرائيلية لحسابات ما، لكن حجم الجريمة والإستغفال، وعدم تعاون نتنياهو ومائير مع أوروبا لكشف تفاصيل الجريمة، وإصرار تل أبيب بأنها لم تقم بالجريمة، وعمق شعور اوروبا بالإستغفال أكثر وأكثر بعد هذه الردود، فإن أوروبا باتت أمام خيار إنهيار كرامتها أمام الشعوب إذا لم تأخذ موقفا إتجاه إسرائيل، ولعل هذا ما دفع الإتحاد الأوروبي الى شجب إستخدام الجوازات المزورة، وتفجر أزمة بين دبلن ولندن وباريس من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
لم يعد هناك من شك إذن بأن الموساد وراء الجريمة، وإلا ما معنى أن سبعة أشخاص ممن إستخدمت اسماءهم من قبل المجرمين الإحدى عشر يعيشون في إسرائيل وجوازاتهم الأوروبية الاصلية ما زالت بحوزتهم ولم يغادروا أساسا الى دبي، وبعد قطع الشك باليقين بالجريمة الإسرائيلية، فإن الكرة الآن في مرمى الفلسطينيين والعرب لإستغلال حالة الغضب والشعور بالمهانة لدى الأوربيين لقيادة إنقلاب في أوروبا على إسرائيل، خاصة بين الشعوب الأوروبية التي تغلي من حجم الجريمة الإسرائيلية بحقها، لتصل الى حد فقدان الثقة تماما بإسرائيل والتعامل معها على أنها دولة ساقطة أخلاقيا وأنها لن تتوانى عن توريط أي مواطن أوروبي في جرائم أخرى مماثلة، هذا إذا لم تكن أكثر إجراما، وهذا دور الماكنة السياسية والإعلامية العربية الآن لتعزز هذا الشعور، وهو حقيقي، عند كل أوروبي من خلال كشف حقائق الجرائم الإسرائيلية على مر التاريخ، ومن خلال معرفة كيف يمكن أن نخاطب المواطن الأوروبي بمنطق وقدرة على الإقناع، فدماء المبحوح باتت بمثابة القربان الذي لا يجب أن يذهب هباء إذا ما عرفنا كيف يمكن أن نسخره لإنجاح هذا الإنقلاب لصالح القضية الفلسطينية، والمبحوح نفسه لم يكن ليعارض أن يكون شهيدا فداء الدفاع عن فلسطين، وهو قضى أساسا لهذا الغرض لانه كان، كما غيره كثيرين من الفلسطينيين المقاومين، مشروع شهادة يمكن أن يقضى شهيدا في أي وقت، وهذا يتقاطع بطبيعة الحال مع الوضع الفلسطيني، فالفلسطينيون بكل أطيافهم السياسية، يجب أن يسارعوا القفز عن كل مصالح ضيفة والى المصالحة وطيب الخلاف تجهيزا لهذه المعركة الكبرى.
248 تعليقات