لم تكف “18”عاما من مفاوضات تجاوزت المباشرة بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وقيادة السلطة الفلسطينية التي ارتكبت خطأ استراتيجيا منذ “مفاوضات اوسلو السرية” التي فاجأت الدنيا كلها ، باتفاق كسيح يحمل في احشائه “سلاما كاذبا” و ” قنابل موقوتة” و ” عبوات ناسفة ” يتقدمها اطلاق الحرية التامة للاستيطان وتهويد القدس والاستيلاء على المقدسات ومصادرة الاراضي الذي تكاثر كالفطر فوق الجغرافيا الفلسطينية ، للدخول في مفاوضات غير مباشرة ولمدة “4” اشهر ، وهي المفاوضات التي طلبتها الولايات المتحدة من الفلسطينيين “لحمل اسرائيل على تنفيذ التزاماتها القانونية بوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس” ، ووافق العرب على اعطاء هذه المهلة التي تشكل ضوء اخضر لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للنزول عن الشجرة والخوض من جديد في مفاوضات هي اشبه مايكون ” الحرث في البحر” ، و ” الفلاحة في الصحراء” .
والموافقة العربية على مفاوضات غيرمباشرة بسقف زمني بين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية على الاغلب تأتي لرغبة السلطة الفلسطينية ، لان قرار التفاوض هو في الاساس “قرار فلسطيني” قاعدته “مفاوضات اوسلو السرية” وما افرزته من خسائر فلسطينية هائلة ننتيجة لتنازلات الهائلة ثمنا ل”قيام السلطة” التي “لاتملك ولا تحكم” ، وتأتي ايضا تحت الضغوط الامريكية التي اعادت ترتيب اولوياتها بتراجع الرئيس الامريكي باراك اوباما عن تعهداته بشأن ” الاستيطا ن اليهودي” في الاراضي الفلسطينية ، ورضوخ ادارته للارادة الاسرائيلية ، واعطاء الاولوية القصوى للملف النووي الايراني لعلاقته المباشرة بالمخاوف الاسرائيلية الوهمية .
ولكن هناك ثلاث نقاط مهمة يجب التوقف عندها مليا ، واولها انه وبالاشهر الاربعة “المهلة العربية” للادارة الامريكية لحمل دولة الاحتلال الاسرائيلي على تنفيذ “التزاماتها القانونية بوقف الاستيطان” في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة عام 67 ، تكون حكومة نتانياهو قد اكملت بناء مشروعها الاستيطاني الاضخم المعلن في القدس المحتلة ، والنقطة الاخرى ان تجربة المفاوضات غير المباشرة مارسها المبعوث الاميركي جورج ميتشل طوال فترة توقف المفاوضات المباشرة وكانت النتيجة صفرا كبيرا ، لايقل قيمة ودلالات عن الصفر الكبير الذي كان النتيجة الحتمية للاعوام «18» من المفاوضات المباشرة على قاعدة “اوسلو” ، وهو الصفر الذي زاد من تماسك وقوة القبضة الاسرائيلية على الارض الفلسطينية واغتال الامال والاحلام الفلسطينية ،كان حاضرا كما يبدو في ذهن وزراء الخارجية العرب وهم يوافقون على “مهلة الشهور الاربعة” رغم “عدم اقتناعهم بجدية الجانب الاسرائيلي” ولكنهم يقدمونها “كمحاولة اخيرة” ، لوضع الادارة الامريكية امام مسؤولياتها وتعهداتها ، قبل الذهاب الى مجلس الامن الدولي .
فاذا كانت “18” عاما لم تصنع سلاما ولم توجد شريكا اسرائيليا ولا وسيطا امريكيا نزيها حياديا فهل “الشهور الاربعة” ستصنع ” المعجزة”! ، ولكنها قد تنزع الحجج والذرائع الامريكية ، ولكنها بالتأكيد لن تصنع سلاما ، ولن تكون “الوصفة السحرية” بقدر ما ستكون مفتاحا لعودة المفاوضات الى سيرتها الاولى ، والكشف عن مدى ما تعانيه الامة من ضعف ومن استلاب لارادتها .
واعتقد ان “الاشهر الاربعة” بقدر ما هي “فرصة اخيرة” للادارة الامريكية والدولة العبرية، يجب ان تكون للعرب والفلسطينيين ايضا مساحة زمنية مهمة للعمل الجاد والحيادي البعيد عن “الاحتكارالمشبوه” و”الحساسيات الفارغة” لاعادة اللحمة الى الصف الفلسطيني على قاعدة المصلحة االعليا للشعب الفلسطيني وليس لاجندات ومصالح اخرى ، خصوصا وان العرب موقنون بعدم جدية الجانب الاسرائيلي ، الامر الذي يوجب على الفلسطينين والعرب الاستعداد لمرحلة ما بعد الاربعة اشهر ، باعادة النظربخيارات المرحلة السابقة بصورة كاملة ، فاعطاء المهلة يعني هناك البديل ، والبديل ليس فقط الذهاب الى مجلس الامن المشلول ب” الفيتو” الاميركي اوبالذهاب الى الجمعية العامة او غيرهما بل يحتاج الى جبهة عربية قوية متماسكة جوهرها جبهة فلسطينية صلبة ذات خيارات متعددة وليست اسيرة خيار وحيد بينما كل الخيارات بيد الطرف الاسرائيلي ، الامر الذي يضاعف من تعنت وصلف الدولة العبرية وارتياحها التام لانها تأمن الجانب العربي الذي القى كل اسلحته جانبا ، ويقف عاريا الا من القانون الدولي الذي لاتعترف به الدولة العبرية وبحماية لامحدودة من العالم الغربي ، بزعامة الادارة الامريكية حامية الارهاب الاسرائيلي .