باكستان بلد مزامير القربة الثاني
سيالكوت، باكستان – أ ف ب – في عائلة عمر فاروق تنتقل صناعة مزامير القربة من جيل إلى جيل في مدينة سيالكوت الباكستانية حيث تباع بالآلاف بعيدا عن اسكتلندا مهد هذه الآلة الموسيقية. يعبق مصنع “ميد إيست” في سيالكوت (شرق بكاستان) برائحة الخشب وينشغل فيه عمال وقوفا أو جلوسا في نحت الخشب وصقله وطليه.من لوح من خشب الابنوس او الزهري ينبثق تدريجا المزمار الذي ينفخ فيه العازفون ليصدر عندها صوتا حادا. وتعتمد الطريقة نفسها لصناعة الأنانيب التي تصدر صوتا خفيضا.
ويضاف إلى هذين العنصرين بعض الزينة ويربطان إلى كيس غالبا ما يكون مصنوعا من قماش ترتان الصوفي المخطط بألوان مختلفة الذي تشتهر به استكلندا. ويقول عمر فاروق احد مسؤولي المصنع “في عائلتي كل الصبيان يعرفون صنع مزمار القربة مرحلة بعد أخرى. عندما كنا في السابعة او الثامنة كنا نأتي إلى المصنع. كان بمثابة مدرسة لنا. وكان آباؤنا وأعمامنا بمثابة مدرسين لنا”. ويشكل هذا الأمر مفارقة بعيدا عن الاراضي الاسكتلندية.
وقد عرف حنوب آسيا على مدى قرون آلتي البونجي والشهناي وهما كلارينيت صغيرة ومزمار تقليدي يستخدمه مروضو الأفاعي. إلا ان مزمار القربة أتى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع الاستعمار البريطاني، إلى الهند التي كانت باكستان جزءا منها قبل الاستقلال والانقسام إلى دولتين في العام 1947.
ويقول ديكر فوريست استاذ الموسيقي الغالية في جامعة هايلاندز في اسكتلندا “حمل الجيش البريطاني مزمار القربة معه أينما حل”. وقد تبنى الباكستانيون هذا التقليد بعد ذلك. وتضم البلاد عشرات الفرق التي تشارك في أعراس ومناسبات دينية.
ويقول ياسر ساين قائد فرقة ثلاثية في سيالكوت مبتسما “الناس يعشقون مزمار القربة”. ويوضح” تشارك فرقتي في مناسبتين على الأقل في اليوم” في هذه المدين. ويرتدي العازفون ملابس ملونة ومطرزة على ما يقول وهو يعرض على هاتفه الذكي بفخر بعض الصور.
ويوضح ديريك فوريست “الفرق الباكستانية تركز على الاداء البصري أكثر من التقنية”. ففي بطولة العالم التي تقام سنويا في غلاسغو في اسكتلندا تكون ملابس الفرق الباكستانية “من الأجمل”. إلا ان التنورة التقليدية الاسكتلندية غير محبذة في باكستان.
ولا يزال الجيش لباكستاني يحتفظ بهذه التقليد. ومنذ العام 2014 لديه أوركسترا مزامير قربة على ظهر جمال مرتبطة بوحدة الصحراء. وتزين الجمال بالارجواني والذهبي فيما يعتلي العازفون حدبتها. وهي تلقى استحسانا كبيرا في العروض العسكرية.
إلا أن باكستان تصنع أيضا مزامير القربة. فينتج مصنع “ميد إيست” حوالى 2600 قطعة منها وتصدر خصوصا إلى الولايات المتحدة. ويؤكد مشغل “أم. إتش. جيفري اند كومباني” في سيالكوت أيضا إنه ينتج 500 منها سنويا.
ويقول صاحب المشغل ظافر إقبال جيفري ان العشرات من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المدينة تجمّع عشرة آلاف مزمار قربة في السنة من بينها قطع أقل جودة من غيرها تستخدم كتذكارات.
وحدها بريطانيا تتفوق على باكستان في عدد الآلات المصنعة على ما يقال في سيالكوت.
ويقول أكرم اوان نائب رئيس غرفة التجارة في المدينة إن “مزامير القربة هي سفيرتنا لجوالة وتساهم في تقديم صورة إيجابية” عن باكستان. في العام 2017 صدرت شركات المدينة آلات موسيقية بقيمة إجمالية قدرها أربعة ملايين دولار من بينها مزامير قربة، وهو مستوى قياسي منذ 15 عاما على ما يؤكد هذا المسؤول.
ويؤكد محمد افتاب عم عمر فاروق “نصنع الآلات نفسها مثل أوروبا لكن بأسعار أرخص بكثير. نجعل الموسيقى متاحة أكثر”.
ويساهم في ذلك الكلفة المتدنية لليد العاملة. ويفيد مصنع “ميد إيست” الذي ينتج أيضا آلاف الآلات الموسيقية الأخرى انه يدفع إلى العاملين فيه 30 إلى 60 ألف روبية في الشهر (بين 187 و375 يورو) أي مرتين إلى أربع مرات الحد الأدنى للأجور في باكستان.
وتباع مزامير القربة هذه اعتبارا من سعر 300 جنيه استرليني (340 يورو) في بريطانيا بعيدا عن مبلغ 900 جنيه استرليني (ألف يورو) لشراء مزمار قربة اسكتلندي.
لكن يبدو ان النوعية ليست نفسها بحسب عازفين استطلعت وكالة فرانس برس أراءهم.
ويقول بول غاردنر مدير متجر للموسيقى في لندن “النوعية ليست نفسها. قد يكتفي المبتدئون بها لكن عليهم سريعا الانتقال إلى تلك المصنوعة في بريطانيا”.