الموسيقى الكلاسيكية تبدد التوترات في لبنان مع انطلاق شهر الفرنكوفونية
بيروت (رويترز) – تحدت الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية وعازف البيانو الفرنسي جيلام فابر أجواء التوتر التي تخيم على الشارع اللبناني جراء الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا مفتتحين فعاليات شهر الفرنكوفونية في لبنان في كنيسة القديس يوسف مساء الجمعة.
وبينما تأرجح رأي القائمين على الحدث السنوي الذي تنظمه وزارة الثقافة والسفارة الفرنسية في بيروت بين المضي قدما في إقامته رغم إغلاق المدارس والاجراءات الصحية الاحترازية وبين إلغائه جاء القرار النهائي في صالح الموسيقى.
وانسابت ألحان المؤلفين الفرنسيين موريس رافيل وجورج بيزيه لتدغدغ مشاعر الجمهور الذي ملأ قاعة الكنيسة وتبدد مخاوفه من الفيروس الذي انتشر عالميا.
وعلى عكس ما كان متوقعا كان كبار السن هم الفئة الأكثر حضورا في الحفل الكلاسيكي كالعادة رغم أنهم الفئة الأكثر عرضة للتأثر بالفيروس.
لكن جوزفين (70 عاما) قالت لرويترز ”لن نسجن أنفسنا في البيت، نأخذ احتياطاتنا للوقاية ونتحدى الصعوبات لتستمر الحياة“.
واتفقت معها صديقتها أوغيت (68 عاما) التي قالت ”نحن هنا لنؤكد أن الثقافة تبعد الأمراض وتنسينا همومنا المعيشية، كفانا خوف وهلع، ولا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا“.
أما قائد الاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية وليد مسلم فأكد لرويترز ”لقد قاتلت والموسيقيين للإبقاء على الحفل وعدم الالتزام بدعوات الإلغاء الرسمية، وأجرينا اتصالاتنا الرسمية كي لا نخسر حفلا حضرنا له وتعبنا لإحيائه مع العازف جيلام فابر الآتي خصيصا من فرنسا. وقد وافقتني الرأي السفارة الفرنسية والوزارة“.
وأضاف ”هذا الحفل ليس مجرد حفل عادي في ظل كل ما نمر به من انهيارات، بل هو ضروري ليؤكد مثابرتنا على الحياة، ولا شيء يقاوم الأزمات سوى الثقافة والموسيقى“.
بدأ الحفل بعزف الاوركسترا مقطوعة شهيرة لرافيل بعنوان (بافان فور ديد برينسيس) مدتها ست دقائق والتي كتبها المؤلف الفرنسي بعد تخرجه من معهد الموسيقى الفرنسي عام 1895 للبيانو فقط ثم عدل عن رأيه وكتبها لأوركسترا كاملة مشبعة بالنغمات السلسة والخفيفة على الأذن.
ثم رافق الاوركسترا عازف البيانو جيلام فابر في مقطوعة بعنوان (كونشرتو للبيانو الاوركسترا على جي ماجور) التي ألفها رافيل بين 1929 و1931، متأثرا بشدة بموسيقى الجاز التي كان رافيل يعتبر أنها مصدر غنى وحياة تلهم المؤلفين الموسيقيين الحديثين أمثاله.
وقال مسلم إن ”المقطوعة تقسم إلى ثلاث حركات، وهي تعتبر من أصعب المقطوعات في الموسيقى الكلاسيكية خصوصا لناحية القيادة إذ أن رافيل أعطى فيها لكل آلة من آلات الاوركسترا مساحتها الخاصة عبر عزف منفرد في آن وجماعي في أحيان أخرى، الأمر الذي يحتاج إلى دقة وتركيز من قائد الاوركسترا ليحافظ على التماسك والانسجام“.
وأضاف أن فابر، الحائز على جوائز فرنسية وروسية وأوروبية، عرف كيف ينسجم مع الاوركسترا وكيف يسيطر على آلته محولا مفاتيح البيانو إلى لوحات موسيقية حية تمتع المستمع إليها.
وما أن انتهى فابر من العزف حتى علا تصفيق الجمهور مطالبا بالمزيد، فاستجاب الشاب المتأثر بالمؤلف الموسيقي يوهان سباستيان باخ والموسيقى الروسية، وعزف مقطوعة لسيرجي راحمانينوف.
وقال فابر لرويترز ”سعيد لوجودي في لبنان خصوصا أنني درست الموسيقى العربية في معهد العالم العربي في باريس وزرت المغرب ومصر وكان لدي الرغبة في زيارة لبنان، خصوصا أنني عرفت عن كثب الموسيقى اللبنانية“.
وأضاف ”أقدر جهد وبراعة زملائي العازفين اليوم في الأوركسترا الفلهارمونية الذين أمدوني بالطاقة وبدا واضحا التماسك والانسجام بيننا كبيانو وأوركسترا. أنا عادة أعزف البيانو بشكل منفرد لكن التجربة هنا كانت رائعة ومليئة بالشغف“.
وعن اختيار رافيل ليعزف من مؤلفاته قال ”لقد أعطوني حرية الاختيار واخترت مؤلفا فرنسيا مميزا بما أننا في افتتاح الفرنكوفونية“.
وفي القسم الثاني من حفل الافتتاح، انفردت الاوركسترا وحدها لتعزف مقطوعة بديعة من مؤلفات الفرنسي جورج بيزيه (1838-1875) بعنوان (سيمفوني إن سي ماجور).
وتستمر فعاليات شهر الفرنكوفونية حتى آخر مارس آذار إلا أن بعض الفعاليات المدرجة بالجدول قد تتأثر بسبب ظروف السفر نتيجة القيود المفروضة بسبب انتشار فيروس كورونا عالميا.