ذاكرة من ألحان السفر / العالية إبراهيم أبتي
المقصد 🥰
أحب الألحان الأصلية محلية أم شرقية أم غربية. سواء الوتر أو النفخ أو الإيقاع. ولا أهتم كثيرا لآلات المفاتيح مع أنني تصالحت معها ذات مرة.
عودت أذني علي سماع اللحن النظيف الأصلي سواء بجامع آنگارة أو التدنيت أو النيفارة…وحتي العود والناي والكمان.
يغريني من يهتم بتوصيل تفاصيل أي لون موسيقي.
أجدني أوصل الألحان التي أسمعها في كل مكان، سنة 2000 كان موعدي مع أول سفر لي إلي (مارسين اپلابا- إسبانيا) حيث لامست ذلك عن قرب حين وقف أحد العازفين يمزج بصوت قيثارته صوت الموج، هو لحن يحتاج أن يفهم ولو بعد حين.
في 2002 كنت علي موعد مع السفر إلي مصر. وكنت في الجيزة بالتحديد وسافرت للاسكندرية في رحلة ضمت فرقة موسيقية، أحدهم أنشد وعزف العود…فبدأ الصوت يتضح بداخلي (القيثارة، والعود).
لكنني وجدت ارتباطا ما فى خريف 2005 في ليلة سمر في فاس وكأنها بداية تصوف موسيقي لم أترجمها إلا لاحقا.
لجأت بعدها إلي المعزوفات التراثية وتعلمت السهر لأن الناس تخاطب الساهرين بهكذا معزوفات، وتطور الأمر بعد ذلك كي أسلم أذني بشكل رسمي لأزوان، حتي أضحيت “امرابطة مزّيونة”
أخذتني الأيام ليكون السفر فى فيافي ومدن الداخل فى رحلة قصيرة سنة 2007 تذكرت فيها بشكل خاص “لخذيرات” كما يسميها أهلها لا لشيء سوي تلك التدنيت المسائية من عازف عزف بفطرته، يصحبه من حين لآخر طبل لا أكاد أركز فيه حتي يرجع وكأنه يفصلني عند كل وتر وبين كل مقام ومقام، وكانت نهاية الرحلة حدودية في أقصي نقطة توصلك لمالي…
الأفق يجعلك تستدعي سكون المكان وصوت الحصي، الماء والمطر فى الخريف…مررت بمدن أذكر منها بشكل خاص لعيون وكيف لا، حين نزلت ليلة ب “الزاكية” وهي كما هي…شجر “أفرنان” لوحده موسيقي…انتظرت الفجر كي أخرج علي أسمع لحنا ما وضللت طريقي حتي وصلت مرعي سألت أهله أين أنا فقالو علي بعد مسافة ليست بالبعيدة…لم أكن أحس بقدمي لأنني أبحث، اللحن بعيد وكان شريطا يحمله راعي لا يعرف عن الدنيا إلا مكانه منها صاف الذهن يشغل نفسه بنفسه، وكنا في ضيافة أهل بوعليبة الكرام ولم أكن أحدث أي أحد لأن الأمر مثير للسخرية.
أسافر لفرنسا 2008 وكان المزج بين عدة طبقات ومستويات مررت فيها بأقدم شارع وجلست أستمع…كان جنوني يقودني فقط للسكوت أمام كل لحن ومهما كانت درجة الضجيج فإن أذني لا تسمع غيره.
سيكون السفر رفيقي لاحقا ليس فقط للاكتشاف، وإنما للتعلم خريف وشتاء 2011 وكانت فرصة للتعرف علي ثقافات لا نركز عليها كثيرا، كنت أسأل فيها كل شخص ألتقيه. ماهي آلتكم التقليدية؟ أحس أنها تترجم الحضارة وتخابطنا بشكل مباشر.
للأسف كان علي أن ألتقي بكثيرين أهملوها في زحمة التطور، وآخرين تمسكو بها وكان من بينهم اليابانيون، والروس…فهو فصل مختلط من ألمان. روس. يابان. وطليان. ودول أخري لا تحضرني غير ذاك الأمريكي الذي يسخر من كل شيء.
كان حظي أن السيدة التي كنت أسكن معها وهي صديقتي مع فرق السن Martine Dupont تحتفظ بزاوية ابنها “ابيير” الموسيقية والذي اكتشفت فيما بعد أنه مؤلف وموزع ألحان فطلبت منه أقدم لحن سمعه ليستغرب وكأن هناك خلفية عبر عنها بعد ذلك أنه اعتبرني شخصا منغلقا حين رفضت مصافحته.
بعد الرحلة كنت في ضيافة الأستاذ “ديديي كاريتيه” وقد سهرت فى متحفه “الموريتاني” الموجود فى بيته والذي قادني للكثير من الأسئلة فى ليلة شتوية تخلينا فيها عن السخان الكهربائي ولجأنا لإشعال الحطب مع لحن تقليدي موريتاني هذه المرة في “أپون” بالتحديد إحدي ضواحي باريس.
الحديث يأخذني لرحلات داخلية في الشرق والغرب والشمال.
أماكن أحببتها وأخري لم أحبها…
فى 2014 وتحديدا فى كامور كنت أجلس لأستمع للنيفارة علها تطفئ بعض لهيب الشوق، أنتظر صوت العصافير كي أشعر أنني في حضرة الطبيعة…
تكررت نفس التجربة معي ثلاث سنين فى نفس المنطقة بين الغايرة وگرو وكيفة وضواحيهم، كنت استقصد من ابتعدو عن المدن لأكلمهم.
مرت الأيام بين بوادي لگوارب وبوگي وإينشيري وبوتلميت وأماكن متفرقة فى كل مرة أسافر أو أنزل، حين يتلمس أحدهم نيفارته لينفخ بداخلي قبلها أو تدنيته وكأنه يلمتس “تشبطا” تجعلني أستحضر صورا مختلفة لا أعرف إلا الإحساس بها، أو قامت إحداهن لآردينها، فهي تخال أنها “تطيبه” فى كل مرة يَلين عليها وهي لا تدري أنها “تطيبني” إن داعبت بأناملها لتوصل أي شور أو تنتقل بين ظهر وظهر ليقودني السفر لآفطوط خريف 2018۔ و 2019 علي التوالي بين آدوابة ولكصور ومناطق أخري وماأدراكم ماهي، أرض تنطق صعوبة ولولا بعض الهواء والطبيعة لأرهقت نفسي بها…
أعشق سكون ساعة ما قبل الفجر فيها والذي أسمع فيه كل شيء بوضوح، وتشرق شمس بداخلي تخبرني باليوم قبل طلوعه.
وعرفت أنه علي أن أسمع أي شيء إلا “بيگي”، فحين أصمت بحضرته أعرف أن روحي انتقلت لمكان ما لا زلت أجهله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
تصبحون علي خير.