شور الـمـشوًشْ – وقصة “المزوزة” /يوسف عبدالرحمن
#من_تراثنا
شور الـمـشوًشْ – وقصة المثل الشعبي”السترَ ماهِ ضَامْنَ أَزَگالْ”.
المشوش يتخبط افْلَكَّتْرِي (ارديف “چَيْنّة”: ابياظ الجانبه البيظه)”/اصَبوح أولاد العالية،
ويشوهدْ بــ :
يانا هاه يالمشوش، يانا هاه يالمشوش
قصته:
يحكى أن أميرا من “أولاد امبارك” ــ وأرجح الروايات أنه الامير خطري ولد أعمر ولد أعلي الذي تولى الإمارة نحو 1829 ومات مقتولا 1841 في حرب وقعت بين أبناء العمومة من بني هنون لعبيدي ــ كانت له فرس تدعى “الْمَزُّوزَه” من فصيلة عتيقة عند القوم، وكان لها سائس يدعى: “بَيْدالِّي” يقوم على سياستها وحراستها، وقد كانت “إمارة إيدوعيش” تكن العداء لإمارة “أولاد امبارك” في ذلك الزمان، فأرادت أن تحوز الفرسَ المذكورة لِما تمتاز به من “رمزية” لدى “أولاد امبارك”، ولايصح ذلك إلا بخطفها من مرابعهم في أقصى الشرق الموريتاني (الحوضين).
فاختارت قبيلةُ “إيدوعيش” رجلا منها يدعى “عُمَرَاَبَّيْلِي” لتكليفه بالمهمة الصعبة، وأمهلته سنة كاملة لتنفيذها، وكان الرجل حاذقا وداهية يستطيع تقمص العديد من الأدوار لاتساع ثقافته من علوم شرعية إلى عزف وغناء… فذهب إلى “أولاد امبارك” في إمارتهم، وقدم لهم نفسه بصفته معلما للقرآن، فقربه الأمير وجمع له الأطفال لتدريسهم القرآن وبعض العلوم الشرعية، وصار يُدعى بينهم: “َاَطْوَيْلَبْنَا”: وهي عبارة عن تصغير كلمة “طالبنا” اللقب الذي يطلق في تلك المنطقة على مدرس القرآن…
كانت أبرز محاولات أعمر آبيلي اختطاف المزوزه حين عرض على حارسها بيدالي ذات مساء أن يساعده في سقيها، على أن يمسك أعمر آبيلي قلادة المزوزه (حسكتها) .. جاء رد بيدالي حاسما : “أنا انتمْ حاكم اقلادت المزوزه الين نبكَ حاكم فم قربه؟” أو “خرب أسلاي” على رواية.
فأسر “عمرابيلي” الامر في نفسه خجلا وحرجا، وعزم على تنفيذ مهمته التي جاء لأجلها نفس الليلة قبل أن يُكْشَفَ أمره.
وكان أمراء “أولاد امبارك” ينامون وسط حراسهم على “خبطة” (أريكة تصنع من سعف النخل ) يكون تحتها “تيدناتن طايبات افْلَكَّتْرِي (ارديف “جينَّه”: ابياظ الجانبه البيظه)”، فيستيقظون في الصباح على وقع “آژايْ” في نفس المقام الموسيقي، ولذلك يطلق على هذا المقام الموسيقي: اصَبوح أولاد العالية، وهم فخذ من افخاظهم
وفي تلك الليلة المقمرة بينما كان الجميع يغطون في نوم عميق، وكلبهم باسط ذراعيه قرب الفرس، تسلل “عمرابيلي” إلى مربطها، وفَكَّ رباطها من العمود، واعتدل على ظهرها فقفزت به حتى سقط، ثم نبح الكلب واستيقظ الحراس ليشدوا وثاق “عمرا ابيلي “(اطويلبنا) حتى الصباح لينظر الأمير في أمره.
هَمَّ الرجل لذلك واغتم خوفا من جزاء فعلته حين يستيقظ الأمير، وفور انكشاف الظلام تبينت له من تحت “الخبطة” آلة “التيدينيت” فتناولها بصعوبة لأن يديه كانت مشدودتان بوثاق، وأخذ يداعب أوتارها في مقام “لَكَّتْرِي”، ثم عزف “الشور” المعروف: “المشوش” لأول مرة (هو أول من عزفه) وبدأ يغني: “يانا هاه يالمشوش، يانا هاه يالمشوش!”، وهي كلمات تدل على بعده من أهله وحزنه لِما أصابه، وكأنه يتوجع ويستعطف الأمير بذكر حاله…فانتبه الأمير “خطري” من نومه والتفت إليه متعجبا وقال:
ــ “اطويلبنا” انت عايد إيگيوْ(فنان)؟!، وطرق الأمير برهة يستمع ويستمتع بأداء “عمرابيلي” الشجي، وحين انتهى من المعزوفة سأله عن قصته الكاملة، فذكر له ما كان من أمر الفرس والمهمة التي جاء لأجلها من قبيلة “ايدوعيش” لخطف “المزوزه”.
فغضب الأمير وقال له: ” لم لا تطلبها منا حين قدمت؟؟ فلن نمنعك أي شيء تسأله، وأمر الحراس أن يعطوها له ويعطوه ابنتها معها.
ركب “عمرابيلي” الفرس ضٌحى، وبدأ رحلة العودة إلى إمارة “إيدوعيش”، وفي الطريق توقف فنظر إلى الفرس فتعجب من حسنها وأصالتها، وقال في نفسه:
ــ لماذا أرحل عن هذا الأمير الذي يعطي مثل هذه الفرس؟؟ والله لأعودن إليه وأعيش بجنبه مكرما…وكان الأمير حين أعطى الفرس ل “عمرآبيلي” قد التفت إلى القوم وقال:
ــ “ذو الناس ألي عادت عندهم المزوزه أمنتها ماتلاو ينقربو”، في إشارة إلى الحرب التي لطالما دارت رحاها بين الإمارتين يومئذ.
وبينما كان الأمير يتكئ على “خبطة” وسط جمع من قومه في الهجير من نفس اليوم إذا بالمهرة (ابنة المزوزه) تعدو في خبب تتجه نحو مربطها وتحمحم، فظن أن “المزوزة” قد أسقطت الرجل في فلاة وعادت إلى الحمى. وجلس ينظر عَلَّها ـ أي المزوزه ـ تلوح له.
وبينما هو في ذلك الحال إذْ ظهر ت له “المزوزة” وعلى ظهرها “عمرابيلي” تعدو به حتى وصل الخيمة التي بها الأمير، ثم نزل عنها فبادره الأمير:
ــ لخبار شنه اطويلبنا انت ياك ما انسيت شِ؟!، رد عليه: لقد فكرت وقلت في نفسي: لن أرحل أبدا ما حييت عن هذا الأمير الذي يعطي “المزوزة” وابنتها ولا يبالي…
حينها التفت الأمير إلى قومه وقال كلمته التي صارت مثلا: “السترَ ماهِ ضَامْنَ أَزَگالْ”
#تاريخنا