الموت من الشرفة.. واقعة تسلط الضوء على ضغوط تتعرض لها العازبات بمصر
من مي شمس الدين
القاهرة (رويترز) – ظلت المصرية نسمة نصر، ذات مرة، دون ماء في شقتها بالقاهرة لمدة أسبوع لأنها كانت قلقة من طلب سباك لإصلاح خط أنابيب المياه الخاص بها بسبب الجيران الذين كانت تخشى أن يستفزهم زيارة رجل غريب لها وهي تعيش بمفردها.
وتوضح نسمة ذلك بقولها إنها تخشى باعتبارها شابة تعيش بمفردها ذلك النوع من الرقابة الاجتماعية التي أصبحت محل نقاش الشهر الماضي حين سقطت سيدة (35 عاما) من شرفة شقة بالقاهرة ولقت حتفها بعد أن اتهمها الجيران بإقامة علاقات مشبوهة.
وأثارت وفاة تلك السيدة فيضا من المعاناة اليومية للنساء اللائي يقلن إنهن يعشن مستقلات في المجتمع المصري المحافظ.
ونشرت بعضهن صورا لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي متشحات بالسواد تضامنا مع الضحية.
وقالت نسمة “هو المجتمع قرر إن هو يحط لنفسه وصاية تامة على البنات، وهو اللي بيقرر لهم حياتهم وبيقرر يقابلوا مين وميقابلوش مين ويشتغلوا إيه وينزلوا الساعة كام ويرجعوا الساعة كام. ولو مشيوا على غير اللي هم مقررينه أو محددينه يقتلوها”.
واعتبرت بعض النساء والناشطات وفاة المرأة دليلا على الحاجة إلى تغيير اجتماعي وقانوني كبير لحماية حقوق النساء بعد أن واجهت حملة لتسليط الضوء على مزاعم الاعتداء الجنسي بين النخبة المصرية العام الماضي مقاومة.
وتلك الحملة تستلهم نهج حركة “مي تو” العالمية.
وقالت نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، “هناك غياب آليات الحماية”، مضيفة أن القوانين مثل القانون الذي يجرم الضرب لا يتم تطبيقها في كثير من الأحيان.
وقدرت دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو الجهاز الرسمي للإحصاء في مصر، وصندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2016 أن 7.9 مليون امرأة في مصر يتعرضن للعنف سنويا من أزواجهن أو أشخاص في دوائرهن الاجتماعية أو غرباء.
ويزيد عدد سكان مصر قليلا عن 100 مليون نسمة.
وقال المتحدث باسم وزارة العدل إن الجهود المبذولة لحماية حقوق المرأة تشمل تعديلا قانونيا أُجري لتجريم التحرش الجنسي وحماية الشهود وتشديد العقوبات على ختان الإناث.
* اقتحام الشقة
قالت النيابة العامة المصرية في أوائل مارس آذار إن شابة في حي السلام بالعاصمة سقطت من شرفة شقتها لتلقى حتفها بعد فترة وجيزة من اقتحام ثلاثة أشخاص، عرفتهم وسائل الإعلام المحلية بأنهم جيران، للشقة بعصي وسلاسل ومهاجمة زائر رجل وجدوه في الداخل.
وقال بيان النيابة إن الضحية كانت في غاية الرعب لدرجة أنها ألقت بنفسها من شرفة شقتها مما أدى لوفاتها.
وأُلقي القبض على المشتبه بهم الثلاثة ووُجهت لهم تهما باستخدام العنف والتهديد بالعنف وسيُحاكمون الشهر المقبل.
واستنكر المجلس القومي للمرأة بمصر الواقعة بشدة.
وقالت مايا مرسي، رئيسة المجلس، في بيان “نرفض جميع أشكال العنف والبلطجة، وسوف تظل مصر دائما دولة قانون ومؤسسات وغير مقبول قيام الأفراد بالاعتداء على بعضهم البعض”.
وفي مارس آذار أيضا، وبمناسبة يوم المرأة المصرية، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن حماية مستقبل سيدات وفتيات مصر أصبح “أولوية تحملها كل مؤسسات الدولة”.
وقال إنه ستتم مراجعة مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي انتقده نشطاء نظرا لزيادة اعتماد النساء على أزواجهن وحث البرلمان على إصدار تشريع يجرم زواج الأطفال.
* مخبرون
من غير المعتاد أن تعيش نساء بمفردهن في مصر حيث تميل الشبكات الاجتماعية إلى الترابط وتعيش الفتيات في الغالب مع أسرهن حتى الزواج.
ومن يستأجرن شققا بمفردهن يخضعن لتدقيق شديد.
وقالت غدير أحمد، وهي كاتبة نسوية وباحثة متخصصة في دراسات النساء والنوع الاجتماعي انتقلت للقاهرة من محافظة الغربية وعمرها 20 عاما بعد انتفاضة 2011 وتعيش بمفردها منذ عشر سنوات، “فجأة بيبقى كل اللي حواليكي مخبرين، كل اللي حواليكي عندهم سلطة عليكي. أنا سبت بيت أهلي علشان أحصل على قدر من الحرية مش متوفرلي هناك، وللأسف بأخبط في المجتمع الأكبر اللي بيقيد حريتي أكتر حتى يمكن من الأسرة، بل كمان بيحط عليَ مسؤولية إن أنا ألتزم بالكود الأخلاقي ده، ولو مالتزمتش به بيتم انتهاكي”.
وتوضح غدير أن القيود الصارمة للغاية شائعة في المناطق المزدحمة والفقيرة، حيث يقوم الجيران وأصحاب العقارات وحراس العقارات بمراقبة سلوك المرأة بشكل غير رسمي.
ولا تستضيف نسمة نصر (29 عاما)، وهي مهندسة نسيج تركت بيت أسرتها في مدينة المنيا جنوب مصر للدراسة والعمل، حتى صديقاتها الإناث في شقتها في حي عين شمس الذي يغلب أبناء الطبقة العاملة بالقاهرة على سكانه.
وتقدم لجيرانها أخا لا يشبهها كثيرا عند زيارته “حتى لا يسبب وجوده مشاكل”.