سبق.. مالك بن الريب / الشيخ معاذ سيدي عبد الله
مالك بن الريب أحد الشعراء الصعاليك في العصر الأموي، كان فارسا، شاعرا وكان جميلا، وسيما..
امتهن الصعلكة فترة طويلة من حياته.. إلى أن قرر التوبة والتكفير عن ذنبه .
وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما وهو متوجه لإخماد فتنة في تمرّد بأرض خُرسان فنصحه بالجهاد في سبيل الله بدلا من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد وسار في جيشه وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته .
وفي عودته بعد الغزو وبينما هم في طريق العودة مرض مرضاً شديداً، وقيل : لسعته أفعى كانت في خفه، فسرى السم في عروقه وأحس بالموت فقال قصيدة يرثي فيها نفسه.
وصارت قصيدته تعرف ببكائية مالك بن الريب التميمي..
وقد اشتهر من هذه القصيدة مقطعها الذي استحسنه المغنون في العصر العباسي وصدحوا به كثيرا:
وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي == وردّا على عيني فضـل ردائيا
والمقطع يبدأ من ذكره لدنو أجله ووصيته لرفاقه بالطريقة التي يود أن يدفن بها :
وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي== وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا
أَقولُ لأَصحابي اِرفَعوني فَإِنَّهُ == يَقَرُّ بِعَيني أَن سُهَيلٌ بَدا لِيا
فَيا صاحِبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا == بِرابِيَةٍ إِنّي مُقيمٌ لَيالِيا
أقيما عَلَيَّ اليَومَ أَو بَعضَ لَيلَةٍ == وَلا تُعجلاني قَد تَبَيَّنَ شانِيا
وَقوما إِذا ما اِستُلَّ روحي فَهَيِّئا == لِيَ السّدرَ وَالأَكفانَ عِندَ فَنائِيا
وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي == وَرُدَّا عَلى عَينَيَّ فَضلَ ردائِيا
وَلا تَحسداني بارَكَ اللَّهُ فيكُما == مِنَ الأَرضِ ذاتَ العَرضِ أَن توسِعا لِيا
خُذاني فَجُرّاني بِثَوبي إِلَيكُما == فَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ صَعباً قيادِيا
ومن طريف ما سجله التاريخ، أنه لما قُتل القائد البريطاني (سير جون مور)، في الحرب ضد نابليون، رثاه أحد الشعراء الانجليز، بقصيدة وصف فيها مصرعه، وكيف حفر جنوده قبره بأطراف الأسنة.
قلت : لقد سبقك بها عكاشة …
منذ ما يناهز القرون العشرة، ابتكر مالك بن الريب طريقة دفن تليق بالأبطال ..
ولعل (جون مور) اطلع على المرثية ضمن ما اطلع عليه قومه من آدابنا الخالدة
من صفحة الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله