قراءة ورحيل في دفتر الرمال
هذي الرمال لها حديث مُوجع// لما تجوب بحارها النظرات ..
بالأمس ارتأى صديقي عبد المعطي أن نجترح الغياب في فسحة من رمال عين الطلح المطلة غربها تودع كل مساء شمسها وتستقبل نسمات البحر في خفة مرحبة بذَرّ حصاها ..
لما أتيناها خلعت نعلي متبردا بثراها وناديت في استنشاقي نسائمها أيا كتاب الصحراء فلتفح بهبوب الحياة في أعماقي ..
فاستقبلتني بأشعة شمس باهتة، وأنسام باردة، وحملق بي الفكر في لحظة من رومنسية حالمة ، وهيام بالطبيعة لا ينتهي ونادى علي الكون في صمت عجيب صارخ بمغزى الحياة وناموس صيرورتها فرأيت الحصاة تلو الحصاة تحملها الرياح في نظام وديمومة سرمدية وكأنه لا ينقص من رملها شيء ولا يزداد ، فإذا به نفسه نظام الحياة وديمومتها .. كلما حطت رحلها حصاة مودعة الرحيل ،مستقرة إلى ثبات وقرار ،حلت محلها أخرى مؤذنة بالرحيل، مثل حياة الإنسان يولد اليوم واحد ليبدأ رحلة الرحيل، وما إن يستقر إلى مثواه ،حتى يحل آخر مكانه .. مجموعة تولد و تبدأ الرحيل وأخرى تنتهي وينتهي رحيلها ..
قلت لصاحبي ألا تقرأ معي هذا الكتاب الجميل فقال غير مهتم أنا لا أقرأ الكتب المسطرة، أفأقرأ الكتب المعقولة المستنبطة!!؟.. وغاب عني فيما هو فيه غائب ..
ثم رجعنا هنيهة لطفولة ما زال صداها يتكرر فينا وقد خلا لنا المكان وحلا لنا الجو فتسابقنا وكانت لي الغلبة 😂 وتسلقنا رابية قد اكتسبت من الطهر نظافة كأن لم يطمثها من قبل إنس ولا جان .. ما علا ظهرها إلا نسمات البحر أو نظرات المحبين على بُعدٍ وشوق كأنها حبات دُرٍّ منتظمة من غير نظام .. وكان عناها الأمير عبد القادر الجزائري يوم قال :
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر // وعاذلاً لمحبّ البدو والقفر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني// لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً //بساط رملٍ به الحصباء كالدرر..
نعم هي حصباء كالدرر ، زينها خلوة وعزلة وبهاء؛ فلا تسمع إلا وشوشات النسيم أو طقطقة ما تلبس من الدراريع .. أو حديث الأفكار وهي تعصف بك وقد هيجها راحة وطمأنينة نفس ورفاهية منظر لا تشوبه من المعكرات شائبة ..
تتنازع الكلمات والكلمات// وتشيب في أذهاننا اللحظات ..
ها نحن ذا أمواج في أفكارنا // تنساب من زمن الرحيل حصاة ..
وهو المساء على ما فيه من فسحة إلا أن من طبعه المرور بسرعة إذا اجتمع فيه الود بالود وقد جمع من أهل الوداد عبد المعطي والصحراء وأنا الذي لا يمل حديث الصحراء وحديث عبد المعطي .. وقد ضيق نطاقه حظر فوق رؤوسنا ..
ثم انقلبنا قافلين معرجين على الطريق المعبدة فاعترضتنا نوق تحدث عن كمال اللوحة البدوية الجميلة الكامن حسنها في بساطتها بيد أني- أسفا – لم أكن “مستيبلا” ..
ثم لما أتينا الطريق هبت علينا ريح طيبة عطرة فاستثارت الانتباه والنفس في الفسحات يسهل استثارتها ..فعلقت متسائلا عن مبعثها من وقع ريحها فعلق صديقي ألم تر كذا فحمدت الله أني ما زلت أرى وإن كان في بصري ضعف ..وقطع الحديث .. أصوات المدينة معكرة صفاء النفس وسكينة الروح ..
تتنازع الكلمات والكلمات// وتشيب في أذهاننا اللحظات ..
ها نحن ذا أمواج في أفكارنا // تنساب من زمن الرحيل حصاة ..
هذي الرمال لها حديث مُوجع// لما تجوب بحارها النظرات ..
يتدثر الغياب في لحظ الفنا// من موج أخيلة نداه فرات ..
بحر المداءات السحيقة مسرع // فيه سراب ،والمدى نسمات ..
حاولت أن تتكشف الأسرار لي // فانتابني من رملها شطحات ..
يا أيها الأحياء هبوا نصرة// فلقد أتاني من الرمال عظات ..
كل الذين أتوا هنا ظنوا الرحيل متاهة لخلودهم وحياة ..
حتى استبا ح سكونهم في غفلة// غول الزمان فتاهت النزوات ..