منوعاتموضوعات رئيسية
14 شهرا ويومان من “التكرفيص”…/ أحمدفال امحمد آبه
… ثم إن حمروش ابن أبي الدراهم – بعد أن انتهى الحفل، وتم الأمر – ترك الحي، وقصد بلاد الترك والديلم، فأقام بها أياما في أحسن حال وأهنئ مقام، ثم صرف وجهه إلى بلاد الغال، وصال فيها وجال .. فلما أزمع العودة إلى وطنه، ولقاء أهله، علم بالأمر فرطوص ابن سولق، فقام في الناس خطيبا، وحذر وأنذر، وعظم الأمر، وأنكر عودة حمروش إلى الوادي، خوفا مما يكتم من أمره وما هو باد.. ثم دعاهم إلى تجديد البيعة للحاكم، وتأليف لجنة تأخذ حمروش إلى المحاكم، إن هو تكلم، أو تنحنح أو تبسم ..
وحذر بعض القوم حمروشا من قيل وقال، وأمروه بلزوم بيته ومسك لسانه، لكنه أبى عليهم، وأطلق لسانه فيهم، فقال : كنتم لي ومعي، فلله ما أسرع ما تحولتم، وما أنكر ما به جئتم، من خسة ونذالة، حتى أصبحتم في نظري حثالة، وأنا الذي جعلت منكم رجالا، وملأت أيديكم مالا، فما بالكم عني تنكصون، ولأعناقكم تلوون ؟ أما كنت بالأمس زعيمكم ، وجامع شملكم، ومؤسس حزبكم؟ فما لكم كيف تحكمون؟ وإلى أين مني تهربون ؟ أف لكم ولما تصنعون.. لن تستطيعوا إسكاتي، ولا إخفاء إنجازاتي، التي يعرفها أهل الوادي، ويشهد بها الحاضر والبادي، فاصنعوا ما شئتم..
تالله لقد صدق فيكم قول البرعي، الذي غناه الفنان سدوم ولد أيد في “عيد المولود”، وكنت أسمعه أنا وبغدود، أيام الصفاء، والحب والإخاء :
وخذ من كل من واخاك حذرا == فهذا الدهر ليس له إخاء
ولا تأنس بعهد من أناس == إذا عهدوا فليس لهم وفاء
فقال زينون بن عبد الله: لقد احتجنت الأموال، ونهبت الثروات، وعبثت بالعلاقات، وخنت الأمانة، وضيعت الإمامة..
وقال مالك بن السياب : أنت رجل كذاب، خدعتنا عشر سنين، ونهبت خيراتنا، وصيرتنا إلى الفقر.. أما تخجل من نفسك ؟ ثم أنشأ يقول :
وإن بقوم سودوك عليهم == لفاقة إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم توالى القوم على حمروش يشتمونه بفاحش القول، ويشتمون أيام حكمه.. وكانت تلك من عجائب الزمان، فالذين وقعوا في حمروش وآذوه بألسنتهم، كانوا إلى خمسة شهور قبل ذلك يريدون تتويجه ملكا، أو ترسيمه سلطانا، لكنه ما إن ترك الكرسي حتى سلقوه بألسنة حداد، وكان أشدهم في ذلك فرطوص ابن سولق، وزينون، ومالك، وشرحبيل وفطيس وقنبل وجعلون.. وخلق سواهم كثير ..
ثم إن حمروشا جلس ذات ليلة للعامة، ولم يحضر مجلسه ذاك من الخاصة إلا ثلاثة ، منهم سلمة بن يزيد، وجبيل بن حميد، وأخو العشيرة .. وتحدث حمروش، بغصة المطعون في الظهر، عن التضييق الذي يتعرض له، والإهانة التي يسمع..
وقال إنه، حقا، من أغنى الناس ، لكنه لم يأخذ من بيت المال درهما ولا دينارا، ولا أخذ من عطائه فلسا.. فسأله العامة : من أين لك تلك الأموال إذن ؟ فضحك وقال : لن تعرفوا مصدرها، لكن ثقوا أنني لم أحتجن من بيت المال درهما، ولا أكلت من حقوقكم فلسا، لكن الله يرزق من يشاء بغير حساب..
فقال أحدهم : إن هذا لشيء عجاب.. فرد عليه حمروش: أتعجبون من أمر الله ، أم تكذبون مقالتي ؟ سلوا صاحبكم فعنده علم بما أقول، وهو على بعضه من الشاهدين .. ألا إن ما عملت من عمل كان على ملأ من القوم الذين يسعون اليوم للإضرار بي، وبتزيين منهم، وكنتم أنتم على ذلك من الشاهدين، وعلى الأحوال مطلعين.. إن هذا إلا تصفية حسابات، ومحاولة إسكات، لكن هيهات، هيهات..
وهنا ملّ الملك من طول الجلوس، وأمر الجارية بالسكوت، وقال لها قومي إلى شأنك، فإن داعي النوم دعاني، وفي المأثور : إن النوم سلطان، فإذا جاءكم فأكرموه…
يتواصل….
انتهى