المادة: الفلسفة.. الموضوع : الحب
كانت البداية المعتادة مع التذكير بالدرس السابق .
وكان الموضوع الموالي يستدعي ذكر بعض القيم كالخير والعدل والصدق والحب؛ هذه الكلمة الأخيرة أحدثت ضجة داخل قاعة الدرس كررتها لأتيقن أن عبارة الحب هي سبب هذه الجلبة.
الحب الحب الحب.. وفي كل مرة كانت الأصوات تنخفض حتى لم أعد أسمع أي صوت .
لقد كانت الخطوة مجازفة كبيرة.. فمكتب المدير على بعد أمتار من القاعة و الأهالي يدفعهم فقد الثقة في التعليم النظامي إلى القيام بزيارات مفاجئة والمدرسُ في مقتبل العمر والتجربة المهنية قد تظن به الظنون.
مسحت موضوع الدرس وكتبت مكانه كلمة الحب وقلت لهم سنكمل الدرس في الحصة القادمة أما الآن فالمقام مقام وقفة مع كلمة الحب التي أثارت هذه الفوضى.
سألتهم هل تعرفون الحب ؟!لا إجابة تلوح في الأفق..فقلت لهم : ” الحبُ الأول هو حبُ العبد لخالقه سبحانه وتعالى الذي منحه النعم من دون مسألة حتى قبل أن تكون له القدرة على مجرد الدعاء ؛نعمة الأبوين نعمة الإيمان نعمة الصحة …الحبُ هو حب المسلم للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم الإيمان بدونه الحب هو حب الوالدين من يقتطعون من أعمارهم وصحتهم لسعادتك وراحتك وتعليمك دون طلب أي مقابل .حبُ الصديق لصديقه والصديقة لصديقتها حيث يصبح الواحد منهم أقرب للآخر من شقيقه لا يصبر على فراقه ولا يعرف السعادة ولا الراحة بدون مجالسته ومشاركته كل صغير وكبيرة في حياته في علاقة غير مشروطة بالقرابة ولا بالمستوى المادي ولا أية اعتبارات أخرى.
أما الحب الذي يقفز إلي أذهانكم عند سماع الكلمة فقد جعل له الإسلام إطارا و ضابطا شرعيا وحيدا هو الزواج .وتحضرني قصة واقعية في الموضوع سأسردها على مسامعكم وأترك لكم الحكم.
في هذه اللحظات كان الهدوء قد عم القاعة و ذرفَ بعض التلاميذ الدمعَ بعد حديثي عن الله سبحانه وتعالى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعن الوالدين… ما جعلني أتقين أن هذه الأجيال مازالت فيها بقية أخلاق وشيء من التقوى رغم كل شيء .
كانت القصة حول فتاة في سن المراهقة علمت والدتها بعلاقة عاطفية تربطها بشاب وفي مثل هذه الحالات يكون خوف الأم مضاعفا خوفها على ابنتها وعلى نفسها فسلوك البنت تقع المسؤولية عنه على الأم بالدرجة الأولى وقد يهدم البيت برمته .حاولت الأم إشراك الأب معها في المسؤولية فأخبرته بشكوكها في أخلاق البنت و علاقتها العاطفية بالشاب.
توقعت الأم أن يلقي الأب اللوم عليها وأن يتهمها بالتقصير وأيقنت أنه سيشبع ابنته ضربا .كان الأب هادئا لدرجة استفزت الأم لتصعق بعد قوله سآخذكم في نزهة خلال عطلة الأسبوع .فعلا أخذ الأبُ الأمَ و ابنتهما في نزهة وما زاد ذهول الأم أن الأب أهدى أبنته وردة قبل خروجهم من المنزل و أخذهم الأب إلى حديقة كلها ورود و أزهار فركضت الفتاة نحو الأزهار تقطف هذه وتلك والأم تتمتم ضاعت الأخلاق أقول له ابنتنا على علاقة بشاب فيقرر اصطحبنا في نزهة ويغرقها بالورود .
بقي الأب صامتا لا يعلق على ملامح الذهول التي يراها بادية على ملامح وجه الأم.انتهت النزهة وقبل مغادرة الحديقة خاطب الأب ابنته بسؤال أين الوردة التي أهديتك إياها قبل مغادرة البيت ؟!.طأطأت البنت رأسها وقالت في خجل ربما سقطت هنا أو هناك فقد وجدت ورودا أجمل منها وأزكى عبيرا في هذه الحديقة .
قال الأب هكذا الحياة يا ابنتي فإياكِ أن تستعجلي في كل مرحلة وفي كل مكان ستصادفين وردة جميلة وعندما تغيرين المكان وتنتقلين إلى مرحلة أخرى ستجدين الأجمل والأزكى و ما يناسب ذوقك وليس ما هو في طريقك .فهمت الأم الغرض من هذه النزهة وفهمت البنت ما أراد الأب قوله وانتبهت لدروسها وقطعت علاقتها بالشاب .وفهم تلامذتي أن الحب مفهوم أعمق وأشمل من أن نختزله في مشاعر عابرة تنتابنا في فترة المراهقة .”أنتهت الحصة”.. نصيحة للمدرسين والآباء مجتمعكم يعيش أزمة أخلاق ويفتقد للتربية بالقدوة.. إن الوعظ وحده لا يكفي.
من صفحة الاستاذ فايزة التاه