الأشياء القديمة/ زهراء نرجس
جميلة هي لحظات اخراج شحنات الآهات المتكدسة في الروح حينما تعود الى وكر طالما ألفته وداعبتَ حصى أرضه وشاركت طيوره تغاريد الصباح والرواح.. والاجمل من ذلك هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعود وتبحث بين أشيائك القديمة في منزل كنت قد ألفته وأصبح ملاذا للروح ، وغادره جسدك في حين ظلت الروح عالقة في كل ركن وزاوية من زواياه .. فتعثرعلى بعض المقتنيات التي تذكرك بمحطة من محطات زمنك الجميل..
اليوم عثرت على جهاز راديو كنت قد شاركت من خلاله واستمعت لبرامج عديدة ،حيث كانت العفوية والبساطة ، و كانت نرجس الحالمة الثائرة..
مسحت الغبار عن الجهاز وتركت خلفي الحاضر كوم رماد وبنيت أهراما من الذكريات و تأكد لي بأن همس الذكريات حين تكون على حين غفلة من الروح هو خمرة مسكرة لها ! وعاد بي الزمن للوراء والى حيث فيروز تغني :
سنرجع يوما إلى حينا ..
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان ..
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلا ولا ترتمي ..
على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غدا أن تعود ..
رفوف الطيور ونحن هنا.
فيروز كنت دائما أستمع إليها وأردد معها هذه الأغنية وكانت تطربني الكلمات واللحن فقط ولا أعير اهتماما للمعاني فالشباب مندفع .. واليوم وبعد أن شابت الذوائب مني ها أنا أعيد الاستماع الى فيروز وكلي تأمل وتمعن وبي شوق لا يماثله شوق للعودة و حنين لبوح الجدات وحكاياهن.. لرائحة الخبز والحناء والنعناع ..الى الوجوه البريئة ..للبداوة والنقاء والصفاء.. لأصوات الحيوانات .. لحداء الرعاة ومواويلهم.. لرائحة دخان الحطب . فبالقلب وجع وسقم لا يبرئهما سوى الابتعاد عن الضوضاء والصخب والارتماء في أحضان الطبيعة وأوكار الذكريات واستنشاق عبق الماضي الجميل.