لم نصلح لـ”حلبة الأحمدي” ولا للرقص كما يفعل جمال او موسى او “سان غرام”
خلال تسعينيات القرن الماضي كان علينا نحن الأصدقاء في “بي ام دي ” مواكبة أقراننا في المدائن في جموحهم واستقلالهم عن ذويهم وفي الشهرة التي بلغوها في أحياء انواكشوط الأخرى،،طبعا لم يكن الأمر سهلا فملعب الحي هو مكان الترفيه الوحيد،و”اوبتيك” جنوبا هي حدودنا وشرقا مطعم “لي ابرينس” حاليا،أما شمالا فعمارة ولد المامي وفي الغرب لنا ان نصل المستشفى الوطني، أما مابعده “فماريكو” حيث يغسل الأموات وتبقى بعض أعضائهم كما تقول أسطورة الحي، وان قدر لنا الخروج من هذا الحيز فللعب مباراة خارج الديار وعادة تكون ضد جماعة “ايلاستيك” او “ايلو كا” في ملعب الهلال الأحمر او ايلو بي،وما سوى ذلك فبعيد جغرافيا عنا..
كان علينا تأجير بيت كالآخرين،والبيت ليس بيتا كاملا وإنما غرفة واحدة عادة تؤجر بألف او الفي اوقية..تقريبا كنا مازلنا تحت الوصاية رغم بلوغنا سن المراهقة وبالتالي كان أملنا لنكون مجموعة او “كروبا”على غرار مجموعات كثيرة مشهورة..كان علينا أولا اختيار اسم، وفعلا اخترنا “لي جامس”. سأضعكم قليلا في الصورة،ففي كل المدائن تقريبا تتخذ مجموعة من المراهقين مقرا تستخدمه لتنمية قدراتها المجونية،عبث،رقص، وشرب وتناول مخدرات، وسهر،وعربدة،وحروب واقتتال مع المجموعات الأخرى..
قد “يوفق” البعض في الوصول الى المبتغى وهو الانحراف التام وقد يفشل في ذلك وقد ينحرف هذا البعض او ذاك جزئيا، وقداشتهر في منطقتنا القريبة “ليزآرتيست” او الفنانين ،والروكسي”،وهما مجموعتان ظهرتا في المدائن واغلب اعضاء المجموعتين هم من ابناء الطبقة المتوسطة،،الى ان قرر ابناء البرجوازيين او البطارين من سكان تفرغ زينة تشكيل مجموعتهم الخاصة فظهر فيلق “لي هامس” ولأن اثر النعم يبدو على كل واحد منهم ولأن ابدانهم لاتطيق العراك والفتن الليلية اكتتبوا اقوى شاب في المجموعات الأخرى هو يعقوب “رامبو”،وهؤلاء طوروا جموحهم فصاروا يضربون المارة بسادية تظهر ضعفهم، ويعذبون المستضعفين من الشبان و”البداة” كما كانوا يسمونهم..في المجموعات الأخرى اشتهر موسى كأفضل راقص في حقبة “البريك” “واسميرف” كما اشتهر جمال ولد داهي كراقص اول في الروك انندرول..وطبعا لايمكن الحديث عن الرقص دون تذكر المسمى “سان اغرام” او المائة غرام.وفتيات كن رائدات في عالم الرقص والسهر وغيره ولاداعي لذكر اسمائهن..ففيهن الآن الصالحات المحترمات وطبعا فيهن العكس
.من هنا تكتشفون ان الرقص كان اساس كل مجموعة او اكروب،ويتمايز الشبان باثوابهم وبمدى تماشيها مع الموضة،فمثلا لابس الكشمير بعد التسعين غبي ولابس الباسكيت مع بنطال التيسي اغبى منه وقواعد من هذا القبيل..
في بعض البيوت يتخذون من فتياتهم موردا ماليا لاينضب،هنا تدخل الدعارة بغرض تأمين مصاريف البيت لكن في بيوت أخرى كانت الرسالة مقدسة ومحترمة وهي الوصول الى حال يكون فيه الشاب نسخة من فنان يحيا حياته ويلبس لبسه والأكيد انه حينها كان يتمنى ان يموت يذات الطريقة التي يموت بها فنانه القدوة.
حتى نكون اكروبا قويا علينا ان نتعلم الرقص،انتهزنا فرصة غياب ذوي احدنا صيفا فأغلقنا البيت كله وتركنا غرفة واحدة اسميناها “بيتا” جلب لنا احد الأصدقاء خبيرا في الرقص الغربي يسمى عالي ،طويل القامة نحيف البدن،يذكرك الى حد كبير بأسطورة كرة السلة الأمريكي عبد الكريم عبد الجبار،كان الخبير عسكريا فاشلا لأنه لايتقن الا الرقص ،حين دخل اول مرة نهرنا: انتم بداة،بيتكم لابوستير فيه،ولا دخان،ولاكمية او حشيش..نحن لاندخن يامولانا لكننا سنحل مشكل الصور المكبرة..جمعنا مالدينا من الغاز تختخ وافوتو رومانه وعبير والموعد من اخواتنا، وبعنا كل المادة لنعود ببوستيرات من صابرين في اغنية بويس وساندرا في ” السماء يمكن ان تنتظر” وجورج مايكل امام جمهوره في شهيرته “كارل اسويسب”، وآها ثم الموديرن تالكينغ اعتبرنا ان اغنية حليقة الرأس في المقابر اوكونور “لاشيئ يقارن بك”،
اعتبرنا هذه الأغنية الحزينة نشيدنا الوطني ،كنا ننظر الى السماء ونحن نردد معها كلمات سيتضح لاحقا انها ليست بذلك العمق..وبمباركة الشيطان وعالي اعتقدنا اننا دخلنا عالم الجموح.كنا نقضي ساعات في صف واحد، نتقدم ونتقهقر في رسم متناسق للوحة الروك بخطواتها الثلاثة، واحد الى الخلف،اثنان عودة،ثلاثة تقدم مائل،اما الحلم فهو ان يقف احدنا في حلبة الأحمدي وهو يوجه الفارسة او الكافاليير كما كانوا يسمونها والناس يهتفون باسمه ويصفقون..
اشترينا بناطيل من نوع “سي سبعة عشر” حتى نشذ عن عبدة “ليفيس ستراوس” كما اشترينا سترات شتوية تبرز العضلات او تخلقها ان شئتم،ويشترط في الحزام ان يكون ابزيمه عملاقا ومدورا وقاعدته حديدية.. كما اشترى كل واحد منا قبضة من معدن يضعها بين اصابعه وكأنه سيقاتل للتو..
لم تدم تجربتنا مع عالي طويلا تماما كما لم تدم حياتنا في البيت فقد عاد اهل البيت الى بيتهم كما اختفى عالي لنكتشف باختفائه انه سرق اشياء عديدة..تم تمزيق الصور الجدارية وخرجنا نجر اذيال الهزيمة فلانحن نصلح لأن نكون اكروبا ولانحن نصلح لحلبة الأحمدي اما ان نكون مثل جمال او موسى او “المائة غرام” فذلك حلم ربما نحققه ذات يوم ان دخلنا الجنة.في النهاية مر الآلاف من شباب العاصمة بتجربة البيوت،كثيرون انحرفوا ودخلوا عالم المخدرات،وآخرون تعلموا من هذه التجارب ان يواجهوا الحياة وان لايهربوا منها وان تعاطي المخدرات ليس شرطا لأن تكون مدنيا وان السكر ليس علامة رقي بقدرماهو هدم لجسم بناه الوالدان بفضل الله وشق الأنفس..الغريب ان من بين من اوردتهم شابا ورجلا اليوم بلغ قمة النجاح ولم ينحرف فصار قصة نجاح تروى ، رغم انه كان يوما من الأيام مثلنا الأعلى في ” التنصري” والجموح والبلطجة الأمنة لكنه عرف كيف يلجم نفسه حين تحاول ان تجفل به الى عالم لايمكن ان يعود منه بسهولة….هنا اقصد موسى طبعا.