غبائي الذي لم أندم عليه/ المرتضى محمد اشفاق
وصلني إشعار بقبول نصين شعريين قرأتهما في برنامج المجلة الثقافية للمشاركة في أمسية شعرية ينظمها المركز الثقافي العربي السوري بانواكشوط…واحد من النصوص سماه المرحوم كابر هاشم ملحمة فلسطين…
فاجأني أن ضيف المنصة الثاني هو أستاذي فاضل ضياء الدين…غصت القاعة بالشباب المتدفق من بطون المدائن والأحياء الشعبية في حماس، وجوع لا ينطفئ إلى الثقافة والأدب والشعر خاصة…وحضر جمع غفير من شباب وشابات الناصريين المتحمسين لمؤازرتي…وجدتني على كرسي جميل، خلف بساط نظيف يغطي طاولة طويلة اصطفت عليها قنينات الماء والكؤوس الزجاجية، ورزم أوراق، وأقلام، وينتصب في تحد وتأهب الميكرو الموصل لمكبر الصوت داخل القاعة…
انشغلت أول أمري بمتابعة حركات الأستاذ فاضل ضياء الدين، فهو شاعر كبير، ومحاضر مجرب، فصممت أن أعرف متى ينشد مستقلا عن الورق، متى يصب الماء في الكأس، ومتى يشرب…بل أكثر من ذلك تابعت بشغف وخوف متى وكيف تبرز أوردته المتسلقة على رقبته، لتنتفخ أوداجه وهو يذوب فناء في فواصل أبياته، فيرقص، ويعزف خيوط الهواء ويجيل الطرف في الحاضرين…فغبت معه عنه، ولم أنتبه إلى ما قرأ…ولم يمهلني شرودي طويلا، فنادى مدير الأمسية باسمي مقدما بكومة ثناء أخجلتني، وضجت القاعة بالتصفيق…قرب مني الماء، فرطبت حنجرتي وتم الإلقاء بنجاح، وقد تداركتني رحمة الله، ونفخني التصفيق، والإشادة باسمي من جيش المناصرين المسلح بالإخلاص والصدق…
كانت تجربة رائعة فتحت لي علاقة أحتاجها في ذلك الوقت بالمركز الثقافي العربي السوري المتميز بتنوع كتبه، وغزارة معروضاته، وببراءته من الدعاية السياسية…
مرت شهور، واتصل بي أحد الأساتذة السوريين العاملين في المعهد التربوي الوطني وبلغني دعوة من مدير المركز السوري…في مكتبه تلقاني المدير حفيا، باشا وعلى وقع الحديث الأخوي العفوي، أخرج ظرفا ووضعه أمامي وبلغني تشكرات المركز، واعتذاره عن تأخر تعويض الأمسية الشعرية عن وقته المحدد نظرا لإجراءات روتينية لا دخل لهم فيها، وأردف هذا المال نصيبك أيها الأخ الكريم…
شكرت المدير واعتذرت عن قبول التعويض، وبلغته أنني أنا الذي ينبغي أن أدفع لهم لأنهم يخدمون بلدي علميا وثقافيا، كما أنهم وفروا لي فرصة أقرأ فيها بعض نصوصي..وقف المدير أظن أن اسمه موسى الحسين، وقال في شبه تشنج إنه لا يستطيع استبقاء المبلغ، لأنه تمويل من الدولة السورية لهذه النشاطات، وإن كل من يشارك فيها يأخذ حقه مشكورا…وقفت مثله وقلت له إنني سأنسحب، ومحال أن تمتد يدي إلى ذلك الظرف، فتوسل إلي أن آخذه وأتخلص منه عند أول سائل واقف بالباب…رفضت الاقتراح ومددت يدي مودعا، فاستبقاني وقد اقتنع أن الظرف وما فيه حصان من يدي، فأرجعه إلى الدرج وأخذني في جولة داخل مخازن الكتب واقترح علي أن آخذ منها ما أريد، فاستحييت من أن أزيد على هذين الكتابين وعدد من مجلة المعرفة، لم يصدق أيضا بخلي على نفسي، وأنا أودعه غمرني بسيل من عبارات الثناء، وقال لي إنهم سيحتفظون لي بعدد شهري من مجلة المعرفة، وكانت تصلني باستمرار في إعدادية البنين…
تذكرت وصية أمي حين سافرت طفلا مع أبي إلى بوكى(للكيطنه)، (الفظه ما تنكبظ، لا تسكَّط، ولا اتكبر لكمتك)…