«اطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب»/ محمد المنى
«اطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب»–
ذلك هو عنوان الكتاب الذي نعرضه هنا، وقد قام بتعريبه أكاديميان تربويان، هما الدكتور خليفة علي السويدي والدكتور علي الهاشمي رداوي، وينصب اهتمامه على التعريف بنمط الإدارة المدرسية الناجحة، وبيان أهمية القيادة التربوية التي تحمل رؤيةً للتعاطي مع محيطها وتحفيز أفراده على العطاء والمشاركة والإبداع. وفي هذا الكتاب لا تقدم المؤلفة «نیلا. أ. كونرز» تحليلا نظرياً أو خلاصةَ دراسات تربوية علمية متخصصة، وإنما تعرض طائفةً كبيرةً من الملاحظات والطرائق والأفكار، مستمِدةً إياها من مناقشات وتجارب واقعية، وذلك في قالب يمزج بين التجربة وروح الطرافة والفكاهة. تنطلق المؤلفة في تناولها العلاقة بين المدرس والإدارة من التأكيد على أهمية دور المعلم في تحقيق أحلام المتعلم وطموحاته، لكنها تتوقف بتأن عند الشروط الذاتية والموضوعية اللازمة لتمكين المعلم من القيام بدوره کاملا، وفي مقدمتها تطوير بيئة مهنية يشعر فيها الكل بالأمن والتقدير والاحترام، وهذا هو الواجب الأول للإدارة المدرسية كعينة لقيادة النظام التربوي. فمن خبرتها الطويلة بين أرجاء المدارس المختلفة، مع الإداريين والمعلمين والطلاب، توصلت «كونرز» إلى أن سر المدرسة المتميزة يكمن في إدارتها، فالإدارة الناجحة «تغذي المعلمين باستمرار لتتأكد من أنهم لن يتغذوا على الطلبة»، بمعنى أنها إدارة توفر البيئة اللازمة لحث المعلم على المغامرة والخوض في رحلة التفوق والنجاح.وإذ تعتقد كونرز أن «المعلمين المتميزين هم الأبطال الحقيقيون»، فإنها تعرض بعض الطرق التي يجب أن يتوخاها الإداريون لدعم أولئك المعلمين العظماء والإقرار بإسهاماتهم الجمة.
لكن قبل ذلك يجب أن يتصف الإداريون والقادة التربويون بسمات أساسية، مثل الاهتمام بالآخرين، والقدرة على التعامل مع الضغوط، والرغبة في تحقيق النجاح، والشعور العام بالصحة، والقدرة على التفكير المنطقي، والأنس في الحياة.. إضافة إلى صفات شخصية أخرى مثل الالتزام، والقناعة، والانسجام، والشراكة، والحماسة، والهدف، والرسالة والرؤية، والصبر، والمثابرة، والجاهزية، والحضور، والانضباط، والثناء، والقرب من الناس.وتعميقاً لفكرتها حول أوجه الحاجة لتغذية المعلمين، تذكر المؤلفة أنه بتوجيهها السؤال لمئات المعلمين المتميزين حول الشيء الذي جعلهم كذلك، حصلت على إجابات تتلخص كلها في وجود إدارة تشجعهم وتدعمهم وتثق في قدراتهم المهنية. فالقيادة المتميزة هي التي تستثمر في المعلمين بوصفهم موارد للبحث عن الحلول واجتراحها، وللتغذية الإرجاعية، ولنشر التفاؤل والأخبار الطيبة، ولتوفير الدعم، إضافة إلى استثمار مواهبهم على اختلافها. وبشكل عام فإن «المعلمين ظامئون دائماً للمدير الناجح، أي الشخص القادر على توفير التقدير والاحترام».وإذ يتحتم على إداريي القرن الحادي العشرين مراقبةَ البيئة المدرسية، فذلك لأن البيئة الإيجابية هي التي تعبّد الطريق نحو النجاح، ولأن «أفضل القادة هم أولئك الذين يعملون بجد من أجل إيجاد فضاء يظل محبباً للناس»، وذلك ما يتطلب منهم مراقبة أمور أهمها: الأمن المدرسي، والتغيير نحو الأحسن، والاتجاهات الإيجابية، والتواصل المفتوح، والعلاقات الإنسانية، والمشاركة النشطة من الجميع، والعلاقات العامة الإيجابية.وتفرد المؤلفة فصلا كاملا لمقومات المدرسة الناجحة، لكنها تعود لتؤكد أن القادة الناجحين هم مَن يدركون المتغيرات والشروط الضرورية لوجود المدارس الناجحة، وهم الذين يتولون «تغذيةَ المدّرسين، وعياً منهم بالحاجات التي يجب توافرها من أجل تحقيق النجاح. وهنا تدعو القادةَ التربويين عامةً إلى إشراك كل مَن له علاقة بالبيئة التربوية، بما في ذلك الطلبة والأهالي والمنظمات الأهلية، ورجال الأعمال.. في جو يتميز بالتعامل الإنساني والدعابة والتفاؤل والتحفيز والتغذية والشفافية والتفكير الاستراتيجي. لكن «إذا كنت لا تتحمل الحرارة، فاخرج من المطبخ»… وتقصد المؤلفة بذلك أنه إذا كان انحراف البرنامج الذي تديره، كمسؤول تربوي، عن العمل بالطريقة الصحيحة، يسبب لك الضغط والإجهاد إلى حد لا تستطيع تحمله، فإنك «تحتاج إما إلى تغيير رأيك، أو سلوكك، أو مهنتك.. وأنت صاحب الخيار».
وبعد أن تستعرض المؤلفة مؤشرات الضغط ومصادره باعتباره مسألة حقيقية لابد من التعامل معها لتجاوز الأزمات، تقول إن أفضل شرط يجب أن يمتلكه القائد في مواجهة الضغط، هو روح الدعابة، حيث لا يمكن لأحد أن يستطيع الاستمرار في عمله بنجاح، لاسيما في مجال التربية، دون أن تكون لديه روح الدعابة والمرح والنكتة، خاصة المديرين الذين يتعين عليهم أن يتعلموا كيف يصنعوا البهجة بوصفها غذاءً يومياً يحتاجه المعلمون، كي ينقلوه إلى طلابهم ويشيعوه في قاعات الدرس.وهكذا فإن الكتاب يقدم وصفة مكتملة أو دلیل عمل تفصيلي في موضوعه المحوري، أي «كيف نرفع معنويات المدرسين؟»، والهدف المركزي وراء ذلك هو أن يجعل مديرُ المدرسة من تقديره للمدرسين والموظفين أولويةً دائمة، أي «إطعامهم» قبل أن يجعلوا من الطلاب مادةً تلتهمها مشاعر البيئة السلبية، وأخطرها التشاؤم والخيبة والانطواء وفقدان الأمن والافتقار إلى الاحترام والتقدير.. أي الداء العضال الذي تقدم «كونرز» وصفتَها «السهلة الممتنعة» لاستئصاله.