جسور الحب…/ محمد ولد إدومو
حسناهكذا بدأت الحكاية قبل أكثر من مائة عام في صربيا على “جسر الحب” الأول؛ الذي حمل هذا الاسم بعد أن كان شاهدا على قصة حب مأساوية.حيث أحبت المُعلِّمة الصربية الجميلة نادا ضابطاً من بني جلدتها يدعى ريلغا، وأحبها، وخاضا قصة حب خرافيةً تحدثت عنها البلدة وما جاورها…
ثم شبت الحرب العالمية الأولى فانتُدب الضابط لمهمة عسكرية في أثينا… وحين لبى نداء الواجب العسكري كانت نادا العاشقة تنتظره كل يوم على ذلك الجسر طمعا في أن تراه قادما من بعيد!غير أن ريلغا دفن نوايا العودة حين وضعت الحرب أوزارها، فقد التقى فاتنة يونانية، اختطفت قلبه، و أحبها ـ على حبه الأول ـ ثم تزوجها؛ وعندما وصل الخبر الصاعقة إلى نادا آل بها الحزن إلى الموت على هذا الجسر وهي تندب حباًّ لن يعود.قصة نادا وحبها الحزين وموتها المأساوي ألهم الصربيات، تضامناً مع روحها العاشقة، أن يكتبن أسماء أحبتهنّ على أقفالٍ يعلقنها على جسر الحب ثم يرمين المفاتيح في قاع النهر كنوع من التمسك الميتافيزيقي بحبٍّ يردنه أبديا…. سينتظر العالم سبعين عاما أخرى ليكتشف هذه الظاهرة وتنتقل العدوى من صربيا إلى جسور أخرى في مدن كبرى حول العالم؛ وكان هذا الانتقال بسبب قصيدة كتبتها شاعرة صربيا الأولى ديسانكا ماكسيموفيتش تحت عنوان “صلاة من أجل الحب” تحكي فيها قصة المعلمة العاشقة والضابط الخائن وتعرج على مَعلم جسر الحب ، الذي بات مزارا عشيقا في صربيا… ولأن الشاعرة درست في فرنسا وجد النص طريقه سريعا للترجمة والنشر في فرنسا….
و بدأت العدوى تنتقل من جسر لآخر، من مدنية لأخرى ومن عاشق لآخر!البداية كانت من باريس على جنبات جسر الفنون على نهر السين قبل أن تلغي بلدية باريس أقفال العشاق على هذا الجسر بقرار رسمي، وينتقل العشاق إلى أماكن أخرى في عاصمة النور مثل كنسية “القلب المقدس” التي تطل على باريس كلها، وبرج إيفل، ومزارات غرامية أخرى لا تعدمها عاصمة الحب تلك.مرورا بجسر ميلفيو بروما، وجسر هوهنزوليرن بمدينة كولون الألمانية، ومواطنِه جسر الحب بفرانكفورت (الصورة)، وأشجار الحب بموسكو، وبرج سيول بكوريا الجنوبية، وعشرات الأماكن الأخرى في أمريكا وكندا وماليزيا و الهند وسلوفينيا والدانمارك والأورغواي… وليس انتهاء بقمة اللوتس في الصين و جسر الوعود في دبي وجسر تيليملي بالجزائر.في كل هذه الأماكن يفد آلاف العشاق ليكتبوا أسماءهم على أقفال ملونة تُعلَّقُ جيدا، ومعها تُعلَّق الآمال بحب دائم، وتُرمى المفاتيح في قاع الأنهار…
مرةً على جسر الحب في فرانكفورت استرقت السمع إلى حوار تديره بلهجة مغربية فصيحة فتاةٌ في منتصف العشرينيات من عمرها تقنع رجلا على أعتاب الأربعين بالبحث جيدا عن المكان الذي علق فيه قفلا فائنا مع زوجته الماضية؛ وهو يتمسك بالإنكار حينا و بادعاء عدم استطاعته العثور على قفل مهمل بين آلاف الأقفال… كنت لأتدخل كي أحسم هذا الجدل بين الفتاة التي تواصل غيرتها العشرينية “المالحة” والرجل الذي يصر على التمسك بأقواله…
ولكنني تراجعت في آخر لحظة “وعملت نفسي من بنها” وتنكرت في هيئة سائح من جزر الهونولولو لا يفهم شيئا من الحوار الدائر!وتركت للعاشقين مساحة فض النزاع العشقي دون تشويش!برأيكم لو قرر عشاق نواكشوط اعتماد مكان رومانسي لتعليق أقفال حبهم… أين سيكون يا ترى؟