عن الشعر في رمضان عند الموريتانيين
مع أن لفظ رمضان في مدلوله عريق في إيحائه بالقسوة والشدة كما في قول الشنفرى :
ويوم من الثريا يذوب لعابه
أفاعيه في رمضائه تتململ
فَربما لذلك لا نبالغ إذا قلنا إن الموروث الشعري العربي في موريتانيا خال من أي احتفاء بالصوم رغم عراقة مفهوم الصوم في الشعر العربي القديم
يقول لبيد بن أبي ربيعة
إلاّ فلاءَ الخَيْلِ مِنها مُرْسَلٌ
ومربَّطاتٌ بالفِناءِ صِيامُ
فَغياب السكن اللائق الذي يقي لفح الشمس في المواسم الرمضانية التي تصادف فترة الحر، قد يحمل قدامي الشعراء عندنا على الاكتفاء بالصوم كشعيرة دينية دون الاحتفاء الأدبي به .. اي انه على طول باعهم الشعري لم يتناولوا رمضان
لقد كان الاحتفاء به مقتصرا على الفلكلور الشعبي عن طريق إقامة ليال من المديح تشكل سَمرا للعامة، وإن تناوَلوه فبندرة.. يقول امحمد ولد أحمد يوره:
ثوَى رمضانٌ – مرحباً بِثوائِهِ
وحلَّى هلالُ الخيرِ أُفْق سَمائِهِ
سنُرزَقُ فيهِ صومَهُ وقيامَهُ
ونُمْسِي بفضلِ الله من عتقائه
هنا يكتسي رمضان درع الصوم والقيام معا وتكتمل قيمة الصوم بأن أحل الشاعر نفسه محل العتقاء من النار (ونمسي بفضل الله من عتقائه)..
ومع قيام الدولة ومد الجسور مع المناطق العربية الاخرى، بدا الشعر يغزو الطاولة الرمضانية ، خاصة مع توفر بعض وسائل الإعلام وخاصة التلفزة الموريتانية ، وظهور برنامج السهرة الرمضانية ، الذي انجب بعض الشذرات الادبية وهي عبارة عن سجالات شعرية بين بعض الشعراء خاصة العلامة محمد سالم ولد عدود والعلامة حمدا ولد التاه واكبت مواسم محددة.. ففي حين كان بعضها يستمد من شخصية في مسلسل مصري يسمي الزنكلوني، كان لهذه السهرة الرمضانية تلاق مع موسم رمضاني استباح فيه الجراد المراعي فاستمدت هذه السجالات تسميتها من تلك المواسم :
- الزنكلونيات
- الجراديات
بدأت الزنكلونيات بان كتب حمدا قول الشيخ حمدا ولد التاه
الخلق بين شؤون
كثيرة وفنــــــــون
فالبعضُ منهم سليم
وبعضهم “زنكلوني”
فرد عليه محمد سالم ولد عدود
بالشيخ حمدا صلوني
وعنه لا تفصِلوني
إني على العهد منه
وإن همُ عذلوني
على ثبات فما لي
تلوُّنُ “الزنكلوني”.
وأما الجراديات فمنها
وأما الجراديات فقد بدأها حمدا بأن أورد أبياتا منها
مرَّ الجرادُ علي حرثِي فقلت له
لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسادِ
فقال منه خطيب فوق سنبلــةٍ
إنا على سفر لا بد من زادِ.
فأنشد الشيخ عدود
ومَرَّ أيضا بمرعانا فقلت لــــه
ماذا أمالكَ مرعًى غير مُـرتاد
فقال مالي مَـرادٌ غير تربتكم
فأكرموا نزل هذا الرٌائح الغــادِ.
وقد نال السٌجالان بين الشيخين استحسان الشعراء الشباب في ذلك الوقت فأرسل الشاعر سيدي ولد امجاد هذه الأبيات
إن كان مرَّ جــرادٌ فوق أرْبعنا
يقتاتُ زادًا هُنَا من غيـر ميعادِ
فما عدمنا ربيعًا في مرابعنا
فأنتم في حمانا خيرة الزادِ
في كل سنبلة من علمكم مائة
قد أنبتت ضعفها في السهل والوادي
وذي تحية تلميذ لكم عبقتْ
من الكويت بأزهـار وأوراد.
ثم اشاد الشاعر النبهاني ولد امغر بهذا السجال
فيما مضى أخذ الأجداد للزاد
بعض الجراد وبعض تاه في الوادِي
واليوم عادَ الذي قد تاهَ يحمل في
أعماقه ثأر آباء و أجْدادِ
فاسْتنفرت منه أسراب وألويـةٌ
ولم يمز خافيا في الحرث عن بادِ
قد جاءنا والرياض الخضــر يانعـــة
ولم يغادر سوى رمـــل وأعـوادِ
فاستسلم الزارِع المسكين في ألمٍ
حيران يضرب أخماسًا بآحـادِ
وجادَ حمدا وعدودٌ بما كتبـَا
في شأنه ولقد جاَد ابن لمجَـاد.
وقد كانت هذه السهرة من افضل ما انتجته وسائل الإعلام الموريتانية في رمضان..
ثم أنها توجت بالرؤية النقدية للشاعر الإعلامي النبهاني ولد امغر وقد اودع تلك الرؤية في محاضرة عن رمضان في الثقافة الشعبية قدمها لبيت الشعر.