تاريخ الشاي في موريتانيا :( نقلا عن كتاب : كناش الأتاي والدخان في موريتانيا للدكتور عبد الله ولد بابكر/ الشيخ معاذ سيدي عبد الله
… وهذا يؤكد أن استعمال الأتاي ظل زمنا طويلا في مناطق محددة هي أساسا المراكز التي لها صلات بالمغرب، خاصة بالمخزن والأسواق الكبرى، وأوساط محددة هم كبار التجار والشيوخ والأشياخ.وفي أواخر القرن التاسع عشر نجد الأتاي مستعملا في تيشيت وولاتة قِرى للضيف مذكورا ،كما تدل عليه ” الرحلة الحجازية” للفقيه محمد يحيى الولاتي(ت ـ1912)، إذ ذكر وهو في تيشيت عام 1894، التي أقام بها ثمانية أشهر في بداية رحلته في ضيافة أهل الشريف المختار، من جملة ما لقي من الإكرام، كثرة ما كان أبوبكر بن المختار الشريف يرسل إليه من ” القمح والأرز والشعير والدهن والأبزار والسكر والأتاي…”(ص26)، كما ذكر وهو في گليميم، في ضيافة حيٍّ رئيسه عبد الحق الساعدي، أنه أكرمه وأحسن نزله ست ليال ” وهو يذبح لنا في كل يوم شاة يم يطبخ لنا الكسكس ويأتينا بأتاي كل يوم”(ص86-87)، كما يذكر، وهو في الإسكندرية، أن محمد محمود بن الشيخ حسن شاهين أهداه صندوق أتاي.
وفي طريق العودة من الحج سيقابل السلطان عبد العزيز في مراكش(وهي المقابلة الثانية حيث كانت المقابلة الأولى في الرباط في طريق الذهاب)، ويذكر أن مضيفه أنزلهم في ” غرف ثلاث في غاية الحسن فرش فيها الحنابل واللحف، “ووضع لنا فيها بابورا يطبخ فيه الأتاي وطبلة جيدة وأربعة أكؤس ومقرجْ وبرادا وصندوقا فيه السكر وزنبيلا فيه الأتاي، وأخدمنا عاملا من عماله(..) وصار الطعام يأتينا من عنده بكرة وعند الزوال وبعد المغرب(..) والعامل يصنع لنا الأتاي بكرة وعشيا، وكلما نفد السكر من الصندوق أو الأتاي من الزنبيل ذهب بهما عاملنا إلى وكيل الوزير فيجعل فيها السكر والأتاي” (ص351)، ثم يذكر وهو في تزروالت في طريق العودة أن الشريف سيدي محمد بن سيدي الحسين أكرمه مدة أربعين يوما وزوده بخمسة عشر ريالا وسبعة قوالب من السكر ورطلين من أتاي وخنش من الأرز وأخرى من دقيق الشعير”(ص388).ويستنتج من ذلك- ومن الفتوى المذكورة فيما بعد- أن الفقيه كان يعرف الأتاي في موطنه ولاته، وأنه كان يعتبره من علامات إكرام الضيف. كما يلاحظ أنه يستعمل ” الأتاي” لعشبة الشاي. وسيشهد استعمال الأتاي تطورا مطردا وانتشارا جغرافيا متواصلا ابتداء من بداية القرن العشرين، ويدخل في العادات الغذائية ويصبح طعام الضيف المفضل، على الأقل لدى ميسوري الحال. فقد ذكر بول بلانشي P.Blanchet في تقريره عن بعثته إلى آدرار عام 1900 ، وهو يعتبر أول فرنسي يدخل أطار، أن تجار أولاد بسباع يستوردون من المغرب الأقصى الشاي والأسلحة والبارود فيقايضونها في آدرار بالتمر. وأن تجار وادنون يرسلون إلى آدرار التبغ والقمح والصوف والخيل لمبادلتها بالملح والجمال (ص 214) ويضيف أن تجار السماسيد سكان أطار وشنقيط يتوجهون في قوافل تجارية كبيرة سنويا إلى سينلوي(اندر) محملة بالتمور ليعودوا بمختلف أنواع القماش الغيني الأزرق الذي يستعمل لباسا، وتشترى قطعته في سينلوي بستة فرنكات وتباع في أطار بعشرة أو اثني عشر. ويلاحظ أن الشاي (الورقة) يستهلك بكمية كبيرة، ويشترى الكلغ منه في سينلوي بسبعة فرنكات ويباع في آدرار بثلاثين إلى أربعين. ويضيف: وأما السكر الذي يحبه البيضان كثيرا فإنه يستورد من المغرب ومن سينلوي بشكل محدود (ص215).وتضمنت مذكرات الرائد فريرجان Commandant Louis Frèrejean عن جولاته وحروبه في موريتانيا من 1903 إلى 1911 معلومات تتعلق بالأتاي. فقد ذكر في الصفحة 71 أنه أهدى الشيخ سعد بوه طاقما للأتاي عندما زاره في تويزكت في إينشيري. كما تحدث في الصفحتين131 و132 عن التاجر السباعي الثري محمد سالم الذي كانت جماعة أولاد بسباع تجتمع في داره في سان-لوي (اندر)، وأنه كان يزوره عدة مرات في الأسبوع ويتناول معه الأتاي بالنعناع. ويروي في الصفحة 204 حادثة وقعت في 3 فبراير 1904 وهو في منطقة ألاك: ” أما جنودي من أولاد بسباع فقد كانوا في أحسن الأحوال لو أنهم كان عندهم الشاي والسكر تحت تصرفهم، ولكن الذي لديه هذه الأشياء الثمينة قد اقتفى أثر كبولاني إلى مَالْ ومعه بضاعته كلها. فأحسوا بالحرمان وعبروا عن التحسر. ومن حسن الحظ أني استطعت إلهاءهم بشيء يسرهم غاية السرور وهو الرماية “. وذكر في الهامش ما يلي: “الشاي (الأخضر) المحضر عن طريق التغلية والمحلى بالسكر جيدا هو الشراب المفضل عند البيضان. ويمثل تحضيره وتذوقه مناسبة احتفالية تطبعها المودة والصفاء”.
وذكر في صفحة 220، وهو في تكانت، أن الأطفال “كانوا يبحثون في خيام مرافقي الأوروبيين وعرائش جنودي الجزائريين عن السكر والشاي ” ويضيف في الصفحة 260 أن أخيارهم ( رئيس جند البيضان( Goumiers ) المرافقين لكبولاني يبحث دائما عن قالب سكر وحفنة من الشاي الأخضر أو عن حزمة من التبغ”. كما يذكر أن “جنديي السباعي (..) شرب، قبل قليل، الأتاي عند الأمير ( بكار ولد سويد أحمد) مقدما نفسه على أنه من فقراء الطُّلْبَه”.
وفي صفحة 446 يذكر أنه تناول الأتاي مع رئيس فخذ مگرود [من إديشلي] وابنيه في أمَزْمَازْ.ويذكر بول مارتي في كتابه عن قبائل موريتانيا العليا ضمن حديثه عن قبيلة أولاد دليم أنهم يشترون من الأوروبيين السكر والشاي والتبغ وأنواع القماش( ص 22 وص 30) .كما يذكر في حديثه عن تكنه، الذين يصفهم بأنهم تجار في الصميم ، أن لهم محلات في جميع أنحاء المنطقة، كانوا يزودونها بجميع البضائع التي يطلبها السكان، وذكر منها ” النيلة بجميع أنواعها، والأسلحة والسكر والشاي والشمع ” ( ص 88)كما يذكر، في كتابه عن إمارة الترارزة، الشاي والسكر من بين المواد التي تأثرت بالحصار الاقتصادي الذي فرضه الجنرال فيديرب على الأمير محمد الحبيب لإرغامه على الخضوع بعد الحرب التي قادها باستبسال ضد فرنسا ومهاجمته سان-لوي…(ص 118). كما يذكر في حديثه عن ضريبة “الغفر” التي تدفع للأمير أنها تحدد باتفاق الطرفين وقد تتمثل في كمية من السكر أو من الشاي….(ص341)ويذكر في كتابه عن البراكنه أن البيضان كانوا يأتون من الداخل إلى محطات بوغي وامباني لبيع الصمغ العربي والحيوانات والحصير والصناعات الجلدية ليشتروا بثمنها الذرة والقماش والشاي والسكر والدخان(ص 333-334).
ويقول ريشي Richet في كتابه موريتانيا الصادر عام 1920:” قبل استقرارنا في سان-لوي كان البيضان مرغمين على الذهاب إلى وادي الذهب بحثا عن البضائع المستوردة التي يطلبونها: الشاي الأخضر والسكر، والبشكوت، والتبغ وقماش النيلة، وكان الاسبان يبيعونها لهم بأثمان باهظة وبنوعيات رديئة”(ص256)، ويذكر أن سوق سان-لوي تباع فيه أوراق التبغ، والشاي الأخضر، وقوالب السكر، وأن القوافل تأتي من آدرار إلى السنغال لجلب النيلة والذرة والسكر والشاي(ص174) .