بعضي يشتّمُ رائحة عطرك وأنا الجزءُ الذي اختار أن يُحلِّقَ إلى حيثُ أنتَ/ الغالية ابوه
حينما أيقظني صوتكَ طالعتُ المنظر من الشباك كان أشبه بلوحةٍ مرسومة بدقةٍ متناهيةٍ،حيثُ السماءُ تبتلعُ بزرقتها الحادة ملامح اللوحة بأكملها.
على مرمى حجرٍ مني كانت هناك مجموعةُ من الأشياءِ المغلفة بإحكام جاهدتُ لأجدَ طريقةً لاكتشافِ محتواها. بعد كسرِ أظافري وتوجيهِ وابلٍ من الشتائم لك ولعن طريقتكَ في إبهامِ هداياكَ،نجحتُ في معرفةِ هديتك.
إنهُ عطركَ ومجموعةٌ من الكتب لم أخبركَ يوما أنها تعجبني، لكنك تملكُ ذلك الحدس الصائب في أغلب أحيانه.
أنا لستُ معتادةً أن أكونَ على هذا القدرِ من التناغمِ مع أحدٍ إلى أن التقيتك!
بعد أن رصصتُ صفوف المذكّرات الشخصية التي أهديتنيها لاحظتُ أنها جميعا لأشخاصٍ ما زالو أحياءً كما لاحظتُ ورقة كتبتَ عليها “لا أثرَ للموتِ هنا تفاديا لفلسفتكِ السوداء وإيقاظِ مخاوفك،أرجوا أن لا تكون هذهِ الكلمةُ هي ما سيوقظها”.
ذكّرتني هذه العبارة بإحدى اللحظاتِ التي وجدَ الخوفُ طريقه إلينا مُلقيّا بظلاله على أوقاتنا السعيدة،حدثتُكَ حينها عن هواجسي وعن قساوة أن أدركَ بعد تيهٍ أنّ عجلةَ الحياةِ تدورُ بسرعةٍ في حين أني لم أنجز الكثير بعد. حدّثتكَ عن خوفي من الموت،أذكرُ حين قاطعتني قبل أن أنهي كلمتي قائلا أن الموت غريمٌ استثنائي كُتِبت له الغَلَبةُ منذُ الأزل. أنا أعرفُ أنهُ كذلك لكن هذا لا يُهدّئُ خوفي.
ثم شرعتَ تخبرني أنني لازلتُ صغيرةً بإمكاني فعلُ الكثير وعن إيمانكَ بقدرتي على تجاوز أصعب العقبات لكنني أرى أنك وكلُّ الذّين تشابهت أقوالهم معك تبالغون في تقديري ليس إلاّ.
رغم ذلك كانت لك القدرةُ دائما على انتشالي من الأفكارِ اللعينةِ التي تتربصُ بي.
بعد أن أخذَ كلُّ كتابٍ مكانه بين الكتب وأخذَ عطرك مأخذهُ من قلبي سمحتُ لفكرةٍ بعيدة في لاوعيي أن تطفو…
الآنَ وأنتَ تستعد للسفر هل لأي هديةٍ قيمة؟هل لرائحتك واختياراتك المُوفقة أن تُفلحا في إخمادِ لهفتي؟لستُ أقوى على التفكير أنني كنتُ مخطئةً منذ البداية حين عدلتُ عن فكرةِ السفرِ معك!
بعد حينٍ بينما استحالَ لونُ السماءِ ورديا،جزءٌ مني ظلَّ يُحملِقُ في إهداءاتكَ وخط يديك،يشتّمُ رائحة عطرك التي تضوّعت في الأرجاء؛لكنَّني الجزءُ الذي اختار أن يُحلِّقَ على جناحِ الحُبِّ إلى حيثُ أنتَ في الجانب الآخر من العالم.