حينما تعشق الجبال وتتخاصم!/ محمد محفوظ أحمد
أتاحت لي الظروف، بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه وحفظه، أن أجول في جميع أنحاء الوطن الموريتاني العزيز وأزور جميع ولاياته ومقاطعاته… وهي سياحة وطنية لا غنى عنها ولا يمل منها، رغم الصعاب والظروف الجغرافية التي تبعد كل نقطة مهما قربت في المسافة العامة، بسبب قلة الطرق ووعورة المسالك.وقد جربت أنواع السيارات والطائرات وركبت القطار المعدني، بين صخور وغبار خامات الحديد، وعلى أسرة المقصورة الخاصة في مؤخرة القطار…وركبت طائرات الخطوط الجوية التي تحط في المطارات (انواذيبو، النعمة، أطار…) وأشباه المطارات (تججكه، ازويرات سابقا، كيفه…)، والطائرات المدنية الصغيرة التي حطت بنا في أي مكان؛ مثل “شوم” و”اتميمشات” و”إينال”… والطائرات العسكرية من نوع “بيفالو” الشاحنة، وديفاندير البطيئة المزعجة…ولأن السياحة الوطنية لا يمل منها، ويصعب أن تزور كل نقطة على الخريطة، فقد واصلت سياحتي إلى النقاط الأخرى الفرعية والصغيرة التي لم أحظ بزيارتها… ولكن في رحلات افتراضية؛ والعالم الافتراضي اليوم هو السائد…إنها مركبة “غوغل إيرث” الفضائية/ الأرضية، التي رغم إقلال رحلاتها الموريتانية من المحطات والتعريفات… أجد فيها الكثير من المتعة والمعرفة.لقد سلكت اليوم، مثلا، طريق أطارـ تجكجة، والذي عهدي به قبل اكتماله بقليل، حيث ظهر لي حينها أنه طريق رديء جدا؛ بل مجرد قشرة من القار. أما اليوم في مركبة “غوغل إيرث” فقد ظهرت أيضا عواقب الإهمال وانعدام الصيانة؛ حيث اختفت مقاطع كاملة من هذا الطريق تحت الرمال، وقطّعت الزعازع أجزاء أخرى منه.سياحة جيولوجية!لكن عند الارتفاع والتحليق الحر وترك الطرق الأرضية القليلة والصعبة، تتبين لك معالم موريتانية سياحية وعلمية عالمية، أخفتها تلك المهامه المهجورة، وأبعدتها الطرق الوعرة المبتورة، ولم تسعفها الدوائر الحكومية المعنية بالعلوم والبحوث، ولا حتى تلك المعنية بالسياحة والترويج…فبينما تحظى “كدية اجل” في الشمال بالذكر والحياة والأضواء بسبب الطمع في مردود معدنها الصلب… هناك “قلب الرشات”، حيث تنام “عين الصحراء” في الوسط الشرقي شمال ودان. وهي ظاهرة جيولوجية فريدة تتمثل في حفرة درهمية منقوشة على هضبة ودان في شكل دوائر يربو قطرها على 30 كلم. وقد اختلف علماء الجيولوجيا في تحديد سببها؛ فمنهم من ظنها أثر نيزك أو شهاب هائل من الفضاء ضرب تلك البقعة في غابر الأزمان، ومنهم من زعم أنها فوهة بركان نائم ربما هو أضخم براكين الأرض…؟ولكن، لأسباب كثيرة، أهمها يتعلق بنا نحن، لم يُنتفع بها بعدُ! فلم نشوق علماء الأرض والفضاء لدراسة هذا الأثر الكوني علميا، كما لم نُغرِ السواح بزيارته واكتشاف جماله وإبداعه!وأما في الغرب فهناك معلم جيولوجي آخر لا يقل ندرة وغرابة، هو جبل “ابن اعميرة” شمال بلدة إنال في تيرس.وهذا الجبل هو ظاهرة جيولوجية وحيدة في القارة الإفريقية وثالثة في جميع أنحاء العالم! وهي أنه يتكون من صخرة واحدة ملساء لا تظهر فيها أية طبقات ولا جزئيات أو فراغات… كما هو حال الجبال والصخور في الأرض كلها!ولابن اعميرة هذا خصوصية أخرى مشوقة في التراث المحلي، فعند قدمه تقوم كدية صغيرة تسمى “عيشه اذخيره”.وتزعم الرواية الشعبية أنهما كانا زوجين سعيدين، حتى نزغ بينهما الشيطان فانفصلا بطلاق بائن، وذهب هو بالعيال بعيدا عنها، واكتفت هي بخادمتها الصغيرة.ويقول بعض الأدلاء في المنطقة إن لهذه القصة، رغم تعاستها، وقعا جميلا ومؤثرا لدى السواح القلائل الذين زاروا الصخرة؛ بل إن بعضهم كتب عنها تحت عنوان: حتى الجبال لها مشاعرها ومشاكلها الاجتماعية!!