مذكرات #طبيب_بلا_قفازات/ أحمد باب عبد الجليل
(لبيظة)——
ليس اسم فتاة رائعة الجمال ناصعة البشرة بيضاء منيرة النظرات فاتنة الإبتسامة.
ليس إسم بقرة حلوب سليلة أبقار تلاد ، نمت محفوفة بعناية مالك غني ورعت مراعي تزينها قطرات الندي سنة بعد أخري.٧
( لبيظة)
سيارة ليست كالسيارات وقصة ليست كالقصص.
عرفت السيد ( م.ع) اياما بعد وصولي للمقاطعة
عرفته خبرا وسماعا ورؤية لمسافرين يلجون أبواب المستوصف للعلاج ويغادرون في مواعد ثابتة لا تقبل التبديل كثبات عقارب ساعة Seiko 5 قديمة.
هل كانت لبيظة بيضاء بالفعل عند اقتنائها من صاحبنا أول مرة ؟
الله أعلم.
ما أعرفه أنها كانت مطلية بلون أزرق تتخلله بعض البقع البيضاء المتناثرة ، ذلك حالها وتلك صفتها عندما تدخل المدينة من شمالها بهدوء المعتاد علي عاديات الزمان..
لنتخلي عن حكا ية( لبيظة) ..
فهي ليست فتاة فاتنة الجمال ولا حتي بقرة تربت في عز ودلال .
( م.ع) رجل ستيني من قرية عرفت بالشرف والعلم تبعد من عاصمة المقاطعة ثلاثين كم شمالا ، حافظ علي بنية جسمية متوازنة ، يميزه لثامه الأزرق ودراعته من نفس اللون بالغي النظافة ..
لكن ميزته الأساسية التي عرف بها هي نظامه الذي لا يقبل التبديل ولا التغيير..
في قريته تماما كما في المقاطعة هناك شجرتان إحداهما لمبيت ( لبيظة) وأخري لمقيلها..
بعد صلاة الصبح بخمس دقائق علي الراغبين في السفر أن يركبوا دون ضوضاء ‘ بعدها بخمس دقائق ستنطلق لبيظة مع نسائم الصباح في اتجاه شمامة ..
إن كنت تعرف نظام صاحبنا فلن ترفع الصوت، ولن تطالب بزيادة السرعة ، ولن تدق علي هيكل السيارة .
تلك محرمات ثلاث ينص قانون سفر غير مكتوب علي مرتكبها أن ينزل صاحبها مباشرة علي قارعة الطريق…
أما الذين -وهم الغالبية – يثقون في وصولهم مع طلوع الشمس لمقصدهم رغم كل الصعاب وأن تجربة ثلاثين سنة كفيلة ببلوغ الهدف فغالبا ما يبتسمون في وجوه الذين اختاروا قارعة الطريق عن جهل أو قصد كسرا لنظام عرفته كل تلك القري المستندة علي رمال متحركة …
رمال لم تؤثر في نظام صاحبنا ولم تحرفه عن مساره قيد أنملة.
مرة ألجأني ظرف طاريء للإستدانة فتوجهت لصاحبنا لأنني كنت واثقا أن استقامته ونظامه كفيل بتلبية الطلب إن توفر..
.لم يخيب ظني كما توقعت ..ولقد حرصت علي أن أقضيه دينه في موعده كما توقع ..
لكي لا يعدني ممن يستحق البقاء علي قارعة الطريق
ولكي تبقي ( لبيظة) دوما في مسارها المنتظم فجرا جنوبا نحو سهول شمامة الممتدة وأصيلا شمالا نحو قري العلم والشعر والتقوي ، ولتبيت تحت شجرة حنت عليها منذ ثلاثين سنة.
كلما تذكرت صاحبي ترحمت عليه
وكلما تذكرته تمنيت لو أن لنا من مثله مئة ننتظم بنظامهم ونتقيد بقواعدهم بحيث لا يبقي منا علي قارعة الطريق غير من رضي بأن يكون من الخوالف.