تاملات من وحي “نازلة النزول” / محمد فال بوخوصه
كل المؤشرات من علم الفلك وغزو الفضاء تشير الى ان الانسان لن يتمكن من الخروج جسديا من شرنقته او بالاحرى ذرته النجمية الصغيرة التي تمثل الشمس نواتها والكواكب القليلة التابعة ألكتروناتها. (المجموعة الشمسية) لحد الان وصولنا الى القمر، هذا التابع القريب لكوكبنا، ما زال محل تشكيك.
شمسنا الخاصة بنا (نواة الذرة)تبعد عنا “فقط” 8 دقائق ضوئية ولكن ذلك يعني 150 مليون كليلومتر والوصول اليها ولو لمجرد الفرجة السياحية عن بعد مستحيل بسبب المسافة والاحزمة المغناطيسية الفاصلة وحمم النار الغازية التي تقذفها الشمس الاف الكيلومترات من حولها.
كوكب الزهرة، هذا النجم الاقرب من جهة الشمس والذي يزين سماءنا كل ليلة وهو أسطع جرم في افقنا الفضائي بعد الشمس والقمر، عبارة عن جمرة ملفوفة في وشاحات غازية خانقة لا سبيل لبشر الى وضع قدميه عليها.
المريخ وهو الاقرب من الجهة المعاكسة يبعد عنا نحو 55 مليون كيلومتر ونحتاج حتى لو سافرنا اليه بنفس سرعة المركبات الفضائية الحالية التي استخدمت لاستكشافه وهي 39600 كلم في الساعة سنحتاج لتسعة اشهر نقطع فيها مسافة 300 مليون كلم بسبب نظام المدارات. وستعترض هذا المسعى معضلات التموين بالاوكسجين والغذاء والعواصف الكهرومغناطيسية والوقود كأمثلة بسيطة فضلا عن كون “البلاد” التي نريد الوصول اليها ليست صالحة للمقام ولا يمكن ان نخرج من سفينتنا للتنزه فيها واستنشاق الهواء الطلق.
كل هذه المعضلات ونحن ما نزال في حدود المسافة الفاصلة بين “الكترونين” متجاورين داخل ذرتنا الشمسية الصغيرة.
اما الطموح للوصول الى النجوم التي نراها في السماء فهو المستحيل المحض.
اقرب نجم من خارج المجموعة الشمسية هو بروكسيما سنتوري (ويعتبر نجما قزميا بمعايير احجام النجوم الاخرى) ويبعد عنا مسافة 4.2 سنوات ضوئية أي ما يعادل 40,208,000,000,000 اربعين تريليون ومائتين وثمانية مليار كيلومتر.
ذاك أقرب نجم في نطاق مجرتنا الخاصة بنا او الخلية الأم والتي تبلغ مسافة قطرها مائة ألف سنة ضوئية. وهي مع ذلك مجرة صغيرة في مقياس المجرات الاخرى.
لهذا سبحان الله تذكرت الايات القرآنية التي تصف النجوم (الكواكب كما في الاستخدام القرآني والعربي الاصلي) بانها بالنسبة للبشر مجرد زينة للسماء (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ).
لا يعني ذلك انعدام اهميتها في كون الله الأوسع. لكن نحن كبشر هنا على الارض لا علاقة لنا بها الا في حدود الرؤية وجمال خلقها الذي نتأمله. كونها جزء من النظام الاوسع والاشمل للتوازن الكوني هو أمر يدخل في نطاق التدبير والتسيير الالهي للكون ولا شأن لنا نحن به ولا قدرة لنا على التدخل فيه او حتى فهمه.
اذن من نحن حتى نتفلسف في مقاصد وكيفيات الافعال الالهية، ونتحدث عن السماء الدنيا بالكثير من التبسيط وادعاء الفهم والاحاطة؟
فما هي السماء الدنيا وما حدودها وما سمكها وما طبيعة مادة صنعها وهل هي حاجز اثيري ام منزلة كونية؟
نعم لقد أمرنا الله بالتأمل والتدبر في خلق السماوات والارض ولذلك اعطانا بعض القدرات والأدوات الخاصة بذلك التأمل ومنها القدرة على تصنيع التيليسكوبات العملاقة وآخرها المسمى “جيمس ويب” الذي وضع في مدار يبعد عن الارض بمسافة 1.5 مليون كيلومتر وهو قادر على رؤية وتصوير نجوم ومجرات نبعد عنا بمليارات السنوات الضوئية.
لكن ما عدا هذه القدرة على الرؤية من أجل التأمل في آيات الخلق الالهي لا مجال للوصول جسديا الى تلك الآفاق ومعنى ذلك ان الكثير من الحقائق سيظل محجوبا عن علمنا.
والحقيقة ان الله تبارك وتعالى لم يغلق باب الاحتمال مطلقا بالنسبة لامكانية أن ينفذ الانسان من أقطار السماوات والارض ولكن الاية كما تعلمون ربطت ذلك بالمقدرة والاذن من الله. “لا تنفذون الا بسلطان”.
ولحد الان المؤشرات صفرية بالنسبة لهدا الامر، الا اذا كان من تأويله النفاذ بالأدوات فقط.
وهنا نذكر ان اهم محاولة بشرية للوصول او النفاذ من اقطار السماوات (مع اننا لا نعرف حتى الان ما هي تلك الاقطار بالتحديد) هي رحلة مركبة فوياجر١ Voyager1 (وتوأمها فوياجر٢) التي بدأت عام 1977 وكان هدفها الاساسي هو استكشاف كواكب المجموعة الشمسية. ولكنها فاجأت الجميع عندما تمكنت في عام 2012 وبعد 35 عاما من السفر من الخروج من حدود المجموعة الشمسية والدخول في الفضاء بين-النجمي، وما زالت رحلتها مستمرة حيث قطعت حتى الان مسافة 23.3 مليار كيلومتر.
لن ندخل في تعقيدات كيفية تزودها بالطاقة لكن فقد نشير الى انها رغم هذا الانجاز العظيم ما زالت تحتاج الى المواصلة لمدة 40 الف سنة لكي تصبح في اقرب مسافة من احدى النجوم الخارجية وهي AC +79 3888 ويعني ذلك “الاقتراب” مسافة متبقية بينها وبين النجم المذكور قدرها 1.7 سنة ضوئية! اي ان وصولها مستحيل لان نظام الوقود المحرك للمركبة سيتوقف في عام 2025 بحسب العلماء المختصين.
وحتى لو حصلت مفاجأة وواصلت فوياجر١ رحلتها فمن سيكون هنا بعد 40 الف سنة ليتابع معها تفاصيل ما ستكتشفه او ما ستصل اليه؟
من صفحة الكاتب على الفيسبوك