الشفق/ سيدي محمد XY
هذا المساء على شاطئ اللازوردي أطل الشفق كالحريق
كان للشفق ونحن صغار حضوره في عالمنا الصغيرـ وكانت مدينة لكصر أيامها عالمنا الكبير وكان حضور الشفق في مساءاتها حدثا يصنع الإثارة كل مساء. وكانت ألوانه القزحية طاغية
كان الشفق يرهبنا ويؤنسنا. يرهبنا بما وراءه من عوالم غير مرئية يسكنها الجن والسحرة وآكلو الأطفال، وكنا نراه ساحرا حين يغيب، لقد كان يرتدي طاقية الإخفاء ويغيب ثم يخلعها ويعود ليشعل “رقصة الأرواح” كما يسميها الفايكنغ.
وكان الشفق مع الرهبة يؤنسنا لأنه كان موعدنا مع الأم نأوي إلى حضنها
وكانت الأم تدثرنا بلحاف الشفق وتعيذنا بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
كنا نقتني دفاتر وطباشير بألوان الشفق، و بألونه كتبنا رسائل حبنا الأولى وكنا نفتح على ضوئه نوافذنا الخضراء ليلج نسيم الشوق إلى أرواحنا فيحرك أشجاننا ويشجينا، وكنا نشرب من خوابيه القوافي في مراهقاتنا الشعرية
وحين درسنا في الكتاتيب رسالة ابن أبي زيد القيرواني آنسنا قوله: ” .. ووقت صلاة العتمة، وهي صلاة العشاء، وهذا الاسم أولى بها، غيبوبة الشفق، والشفق: الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس، فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب الوقت، ولا ينظر إلى البياض في المغرب، فذلك لها وقت إلى ثلث الليل ممن يريد تأخيرها لشغل أو عذر، والمبادرة بها أولى، ولا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس، ويكره النوم قبلها، والحديث لغير شغل بعدها.”
رحم الله شيخنا ابن أبي زيد لقد كان وصفه للشفق شاعريا.
عند غياب الشفق كنا نأسى وكان أبونا يأمرنا مع الحمرة التي تسبق البياض أن نذهب معه إلى المسجد لأداء صلاة العشاء وكان ذاك ترياق أسانا.
وحتى في الأمثال كنا نجد الشفق فقد كان البظان يقولون: أغيب من الشفق يضرب للرجل كثير الأسفار والغَيبة.
يقول العلامة الشاعر امحمد ولد أحمد يورَ رحمه الله:
إجعلْ مهادك رحلَ البازل اليققِ :: و امشِ النهارَ إلى غيبوبة الشفقِ
ذات درس بمجلس العلامة الشيخ اباه ولد عبد الله حفظه الله، بعد قراءة من كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض، ارتجل الأستاذ محمد بن بتار:
أشهدُ الله على أني له :: حامد حمدَ الثناء المطلقِ
كم له سبحانه من منة :: -لست أحصي شكرها- في عنقي
لم أزل -مذ كنت- من إحسانه :: في ازدياد مُتنامٍ ورُقي
من نوادي العلم أرتاد الهدى :: ومن الذكر أُرى في الحِلق
من أحاديث الشفا عند الضحى :: وامتداحٍ لمغيب الشفق
لم يعد للشفق ذلك الألق فأنوار المدينة وتوسعها إن لم يقضيا على الشفق فقد جعلا ضوءه يخفت و وهجه يخبو، لتختفي تلك اللوحة الرائعة من الألوان الزاهية.
رحم الله الإمام الأكبر بداه ولد البصيري فذات أنس في مجلسه، وما أكثر الأنس في مجلسه، فلئن كانت للكاتب أنيس منصور أيام أنس في صالون العقاد فإن لنا -ولله المثل الأعلى- أيام أنس في مجلس الإمام بداه، ذات أنس سأل بعضهم عن حكم الصلاة في الطائرة وفي شجون الحديث قال الإمام الأكبر: الطائرة صبحها زين ْأخظرْ افگدني بالصبح ذاك إلّ نعرف فالبادية ذو اسنين!
وأنا هذا المساء ذكرني شفق شاطئ اللازوردي وكان جميلا وقانيّ الحمرة بالشفق ذاك إل نعرف أيام كنا وكان الحي متصلا.
كامل الود