يوميات صائم:”الحكمة“ في القرآن ليست هي السنة!/ محمد رياض العشيري
”الحكمة“ في القرآن ليست هي السنة!
يسيء بعض المفسرين – خاصة المحدثين منهم – إلى القرآن الكريم ذاته حينما يلوون أعناق كلماته لتتفق ومذاهبهم وآراءهم. وهم بذلك أيضا يضللون كثيرا من المسلمين الذين يأخذون تفسيراتهم وكأنها جزء من الكتاب، لأن هؤلاء المسلمين أصلا لا يتدبرون آي القرآن عند قراءته، ولا يعملون عقولهم حين يطالعون تفسيره.
ومن هذا الباب افتراء أن “الحكمة” هي السنة.
ومن يقرأ القرآن الكريم ويتمعن في آياته يدرك أن من بين ما يقدمه للإنسانية جمعاء نظاما أخلاقيا متكاملا يهدف إلى الحفاظ على الوئام الاجتماعي بين أفراد المجتمع في علاقاتهم وسلوكهم في جوانب الحياة المختلفة.
ولنأخذ مثلا على ذلك ما ورد في سورة الإسراء، من الآية ٢٢ وحتى الآية ٣٨. وهذا هو فحوى تلك الآيات التي وجهها الله تعالى إلى كل إنسان عبر ما أوحاه للنبي الكريم بـ:
· ألا تشرك بالله
· أن تحسن إلى والديك وتعامهما بالحسنى
· أن تحسن إلى ذوي القربى والمساكين وأبناء السبيل دون تبذير، وتعاملهم بالحسنى
· ألا تبخل في الإنفاق على نفسك وأهلك، وكذلك ألا تسرف
· ألا تقتل أطفالك خوفا من الفقر
· ألا تقرب الزنا
· ألا تقتل
· ألا تأكل مال اليتيم بالباطل
· أن تفي بالعهد
· أن توفي الكيل والوزن
· ألا تتجسس بالنظر ولا بالسمع على ما لا علم لك به
· ألا تتكبر في مشيتك فخرا بنفسك
ويختتم القرآن الحديث عن تلك المنظومة الأخلاقية بأمرين:
أولهما إدراك الله تعالى لطبيعة الإنسان الذي قد يصعب عليه الالتزام بتلك التعاليم الأخلاقية الراقية في أحواله قاطبة، ولذلك ينبهه إلى أن “كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها” (الإسراء:٣٨)
وثانيهما، وهو الأهم، هو وصف تلك المنظومة الأخلاقية بلفظ الحكمة “ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة…”.
والحكمة في اللغة هي العلم والتفقه والعدل والحلم، و”معرفة أفضل الأشياء بأفضل لعلوم” (المعجم الوسيط)
ولكنها في القرآن الكريم نظام شامل من التعاليم الأخلاقية – كما أشرنا سابقا – يوحيه الله تعالى إلى رسله لتنظيم العلاقات الاجتماعية وإشاعة الوئام بين أفراد المجتمع.
ولم يختص الله بذلك فقط نبينا الكريم محمدا عليه السلام، حتى يدعي “الحديثيون” أنها السنة.
· فقد آتاها النبيين جميعا “وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة…” (آل عمران:٨١)
· وآل إبراهيم “… فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة…” (النساء:٥٤)
· وعيسى عليه السلام “… وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل …” (المائدة:١١٠)
· ولقمان “ولقد آتينا لقمان الحكمة…” (لقمان:١٢)
· وداوود “وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب” (ص:٢٠)
وقد أمر الله تعالى رسولنا الكريم بالدعوة إلى ربه بالحكمة “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن …” (النحل:١٢٥)، فهل تعني الحكمة هنا بالسنة أيضا، أو بالحلم والتعقل؟.
وخاطب الله تعالى نساء النبي عليه السلام قائلا: “واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة…” (الأحزاب:٣٤)، فهل كان النبي الكريم يتلو على زوجاته آيات القرآن الكريم، ويتلو عليهن أيضا السنة، بحسب هذا الافتراء؟
ثم إن باب عطاء الله مفتوح للبشر من غير الأنبياء “يُؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا …” (البقرة:٢٦٩)، فهل هذا العطاء مقصور أيضا على السنة؟
إن ما يرمي إليه أهل “الحديث” هو أن يجدوا سندا في القرآن الكريم، وإنْ افتراءً، يدعم قولهم بأن “السنة” جزء من الوحي. ومن هنا افتروا افتراء آخر حينما جعلوا آيات سورة “النجم” التي تقول “ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى” (النجم:٢-٤) شاملة من حيث المعنى لآيات القرآن التي كان ينزل بها الوحي، و”السنة” أيضا.
ولكن تدبر كلمات الكتاب وآياته يبيّن افتراءهم ويكشف لنا كم أساؤوا – بقصد أو بدون قصد – إلي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل.