محمد اسحاق الكنتي يكتب: “من أجل دستور وطني منفتح.”..
كان الأسبوع كافيا لتمارس الحكومة دورا بالغا من أجل تغيير الدستور وتجاه[؟!] آخر نافذة للتعددية السياسية.
لقد كانت المادة التاسعة في الدستور الموريتاني المعدل سنة 1961 آخر نافذة لنا نحو الأمل في تعددية سياسية حقيقية في ظل الدولة الناشئة، ولأن تلك النافذة ستجلب رياحا كثيرة قد تزعزع أو تهز بيت النظام السياسي الوليد والسلطة غير المترسخة، فقد قرر الرئيس المختار رحمه الله تعالى إغلاقها نهائيا.
لكن سد هذه الثغرة يحتاج إلى قرار من البرلمان أو استفتاء شعبي، لقد كان الخيار الأول هو الأسهل والأسرع، فتقرر عقد جلسة استثنائية للبرلمان الموريتاني، وتم استدعاء جميع أعضائه للدخول فورا إلى نواكشوط، وحتى أولئك الذين يوجدون في مناطق نائية أرسلت لهم الحكومة سيارات لجلبهم إلى اليوم المشهود، وحينما عجزت السيارات عن الوصول إلى بومديد، ابتعثت الرئاسة مروحية صغيرة لجلب نائب تلك المقاطعة النائية، ليشارك في تغيير الدستور.
والتأم الجمع وقرر بأغلبية ساحقة تغيير المادة التاسعة من الدستور ليتحول إلى جدار قانوني ضد التعددية السياسية، ويكون حزب الشعب حزب الدولة الوحيد بنص الدستور.
لقد صادق البرلمان على تعديل الدستور، ووقعه الرئيس المختار ولد داداه بسرعة، وبسرعة أيضا تم نشره في الجريدة الرسمية وأعلن للناس بشكل عام، ليأخذ بذلك كل أشكال القانون النافذ الذي لا رجعة فيه.
بعد يوم واحد عقدت المحكمة جلستها، كان الاحباط مسيطرا علينا حينها والغضب آخذا بمجاميع النفوس، أطل القاضي عبد الله ولد بيه هادئا واثقا، وأعلن بعبارة واحدة لا أكثر أنه: لا وجه للمتابعة. رفعت الجلسة وخرج القاضي من المحكمة، لكن الذي رفع يومها ليس جلسة قضائية في محكمة، بل رفع مسار التعددية السياسية ووضعت أركان الأحادية بشكل كامل ومترسخ في البلاد،…>>(مسيرة بين أشواك السياسة والاقتصاد، مذكرات رجل الأعمال والسياسي بمبه ولد سيدي بادي، سلسلة هذه تجربتي 2، إصدار وإشراف وكالة أنباء الأخبار المستقلة 2017، ص:36-37).
تجندت الحكومة، وجندت البرلمان والقضاء لإغلاق النظام السياسي في وجه أي معارضة دستورية، وبذلك تم احتكار السلطة، والسياسة، لفائدة جزء من النخبة السياسية، وأقصي الجزء الآخر. لكن ما ندعو إليه اليوم مختلف تماما إذ يهدف إلى كتابة دستور وطني يفتح المجال السياسي بشكل أوسع، وأضمن لمشاركة كل الحساسيات السياسية في الانتخابات الرئاسية كما شاركت في الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية.. فلا قيمة لانتخابات يمنع زعيمان سياسيان بحجم مسعود ولد بلخير، وأحمد ولد داداه من خوضها وتفتح أمام الأصوات العنصرية والفئوية والانفصالية!!!
لقد كان تحديد سن الترشح استهدافا واضحا جاء ضمن ظروف استثنائية لم تخل من الارتجال والحسابات الضيقة، وبعد عشر سنوات من الممارسة الديمقراطية المنفتحة آن لنا أن نكتب دستورا جديدا غير مسيج ضد أشخاص أو حساسيات سياسية معينة. يضاف إلى ذلك أننا، خلال هذه العشرية المباركة، قد وضعنا الأسس الفكرية والسياسية للجمهورية الثالثة من خلال تغيير وتحسين رموز الدولة لتتخذ طابعا وطنيا شاملا، وتم إصلاح المنظومة السياسية باستحداث المجالس الجهوية تعزيزا للامركزية، وإلغاء مجلس الشيوخ الذي انتفت الحاجة إليه… فلماذا الإصرار على الاحتفاظ بدستور (لابول) المخالف للدستور!!! فقد نص الدستور الوطني على أن ” اللغة العربية هي اللغة الرسمية” بينما حرر دستور (لابول) باللغة الفرنسية، وأصبح مرقعة لكثرة ما طاله من تعديلات منذ إصداره 1991.
إن الحاجة ملحة إلى إصدار دستور وطني محرر بلغتنا الرسمية، ويفتح المجال السياسي أمام كل الحساسيات والشخصيات الوطنية، ولا مانع من تحديد عدد المأموريات الرئاسية المسموح بها على التوالي ضمن توافق وطني شامل…
7 تعليقات