شفاء ثاني مريض في العالم من الإيدز ينعش البحث عن دواء ناجع
كان الرجل الذي أصبح معروفا بلقب ”مريض لندن“ مصابا بفيروس إتش.آي.في وبنوع من سرطان الدم يعرف باسم ليمفوما هودجكين. وقد استجاب بنجاح لعملية زراعة نخاع عظمي من متبرع يتمتع بمقاومة جينية نادرة لعدوى الإصابة بالفيروس.
وأدت زراعة النخاع لشفاء الرجل من مرض السرطان وفيروس إتش.آي.في غير أن الجينات المقاومة قد لا تكون السبب الوحيد في اختفاء الفيروس من جسده.
ومنذ ظهور هذا الوباء في الثمانينيات أصيب أكثر من 70 مليونا من البشر بالفيروس ومات حوالي 35 مليونا أغلبهم في أفريقيا. ويتيح التقدم الطبي رصد الإصابة بالفيروس مبكرا ويمكن للأدوية الجديدة السيطرة عليه كما أن هناك سبلا لمنع انتشاره. غير أن 37 مليونا لا يزالون مصابين بالفيروس.
وتمنح حالة مريض لندن الأمل للعلماء والباحثين الصيدلانيين الذين أمضوا عشرات السنين في البحث عن سبل للقضاء على الإيدز.
وقالت شارون لوين الخبيرة في هذا الفيروس إن عاملين كانا على الأرجح وراء شفاء مريض لندن يتمثلان في المقاومة الجينية والأثر الجانبي لزرع النخاع الذي هاجم خلايا المناعة.
وقالت لوين الرئيسة المشاركة لمجلس الأبحاث العلاجية الاستشاري بالجمعية الدولية للإيدز والباحثة بمعهد دوهرتي باستراليا ”النخاع العظمي الجديد مقاوم لفيروس إتش.آي.في كما أنه يعمل بنشاط على القضاء على أي خلايا مصابة بالفيروس“.
وكان الفيروس قد اختفى من جسد صاحب حالة الشفاء الأولى تيموثي راي براون المعروف بلقب ”مريض برلين“ بعلاج مماثل تمت فيه زراعة خلايا جذعية في 2007. وانطوت تلك العملية على هدم جهاز المناعة لديه وزراعة خلايا جذعية بتحوير جين يطلق عليه اسم (سي.سي.آر 5) مقاوم لفيروس إتش.آي.في.
ويستخدم فيروس الإيدز الجين (سي.سي.آر 5) للنفاذ إلى الخلايا إلا أنه لا يستطيع إصابتها إذا كان الجين محورا.
وشبه ستيفن ديكس خبير فيروس إتش.آي.في بجامعة كاليفورنيا أثر هذا التحوير بمعركة ضارية بين جهازين مناعيين. فخلايا المناعة المزروعة من المتبرع في الجسم تبحث عن كل خلايا المناعة في جسد المريض وتدمرها بما فيها الخلايا التي يمكن لفيروس إتش.آي.في الاختباء فيها.
* ”مشوار طويل“
غير أن عمليات الزراعة هذه معقدة وباهظة الكلفة وفي غاية الخطورة على المرضى إذ قد تؤدي إلى الوفاة.
وأضاف ديكس ”لذا فالحل هو أن يتوصل أحد إلى طريقة لتحقيق القدرة على التعديل الجيني لكل خلايا الجهاز المناعي وهو ما يعمل البعض على تحقيقه الآن“.
وقالت روينا جونستون مديرة الأبحاث بمؤسسة أمفار الأمريكية لأبحاث الإيدز إن فرقا في معامل بمختلف أنحاء العالم وشركات أدوية من بينها جيلياد ساينسيز وجونسون اند جونسون وفيف هيلثكير التابعة لشركة جي.إس.كيه تجري دراسات علاجية في مراحلها الأولى.
غير أن فكرة البحث عن علاج ينطوي على زراعة النخاع للقضاء على الأجهزة المناعية لكل المصابين بفيروس إتش.آي.في وإبدالها فكرة مجهضة من البداية.
ويتمتع عدد كبير من المرضى في الوقت الحالي بقدر جيد من السيطرة على المرض بعلاجات مثل دواء بيكتارفي المضاد للفيروسات الرجعية ويجمع بين ثلاثة أدوية في قرص واحد يوميا.
وقال أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية ”أفضل تناول القرص الواحد يوميا بقدر ضئيل جدا من المواد السامة على المجازفة بشيء في خطورة عملية الزرع“.
وقال هو وآخرون إن حالة مريض لندن تؤكد أهمية استخدام عنصرين هما المقاومة الجينية للجين (سي.سي.آر 5) وتوصيلها لكل الخلايا بما فيما الخلايا المناعية.
وتعمل بعض الفرق البحثية في الولايات المتحدة وغيرها على تطوير أساليب لتعديل الجينات من أجل تعديل الجين (سي.سي.آر 5) خارج جسم المريض وإعادة الخلايا المعدلة إليه.
وقال متخصصون إن هذه الطريقة لها حدودها وذلك لأنها تعدل بعض الجينات وتترك الأنواع الشاذة من خلايا جسم المريض دون أن تمسها حيث يمكن لفيروس إتش.آي.في الاختباء فيها.
ويسعى الباحثون لاستكشاف وسائل أخرى.
إذ يعمل دان باروخ الباحث في الأمصال بمركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن المرتبط بجامعة هارفارد مع شركة جيلياد لتطوير أسلوب علاجي جديد.
وتتمثل فكرة هذا الأسلوب في استخدام دواء أولي لإخراج الفيروس المختبئ من الجهاز المناعي ثم استخدام أدوية عادية مضادة للفيروسات الرجعية للقضاء على الفيروس المكشوف. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على حيوانات أملا، لكن لم يثبت صحتها في تجارب على البشر.
وقال باروخ في مكالمة هاتفية ”كل الأساليب العلاجية لفيروس إتش.آي.في عموما في بداياتها“.
وقال إن حالات الشفاء النادرة مثل مريضي لندن وبرلين ”تمنح قدرا من الحماس والتحفيز“ لفرق البحث وتبين أن من الممكن الوصول للعلاج ”لكن ما زال أمامنا مشوار طويل“.