جميل منصور يعود مرة ثالثة إلى الجيش ( تدوينة)
النقاش الذي دار حول تدوينتي السابقتين أظهر الحاجة للتداول الجدي حول هذا الموضوع بعيدا عن أجواء الحملات وآلياتها التفسيرية .
هناك أمران لا يستطيع من يدعو إلى الديمقراطية ويعتبرها الأفضل في تنظيم الشأن السياسي العام غير التأسيس عليهما :
الأول : أن الجيش في النظام الديمقراطي والثقافة الجمهورية مؤسسة معروفة الدور والمهمة ولا شأن لها بالسياسة ، صحيح لها رأي وإسهام في الملفات الاستراتيجية ذات الصلة بالدفاع والأمن والاستقرار ولكن ذلك لا يسوغ لهم القيام بدور الأحزاب والسعي بين الناس تعبئة وحشدا لهذا الطرف أو ذاك لأن الجيش عنوان من عناوين المشترك الوطني المعبر عن الجميع والسياسة مجال المختلف عليه بين أبناء الوطن ، الجيش في الديمقراطية تابع للقرار السياسي لا متحكم فيه.
والثاني : أن من أبرز أسباب المعاناة السياسية والاقتصادية في منطقتنا العربية وقارتنا الإفريقية هو الانقلابات العسكرية التي توالت في عدد من البلدان فضيقت على الناس في حرياتها ومعاشها وحرمتها من تطور ونهضة شهدتها بلدان شبيهة أقل إمكانات وأكثر تحديات.
في المقابل هناك أمران لا يستطيع من يمارس السياسة بواقعية ويأخذ في عين الاعتبار تجارب الآخرين ومآلاتها أن يتجاهلهما :
الأول : أن الحدية في الخطاب التي تستعمل عبارات ومصطلحات مثل ” حكم العسكر ” و” أصحاب الأحذية الخشنة ” …. واعتبار أن التناقض الرئيسي – بلغة بعض المدارس الفكرية – بين مدني وعسكري ، كل ذلك يولد أجواء من الصراع والعصبية وغياب الحد المطلوب من الثقة والاطمئنان اللازمين لإصلاح المعادلة وعودة كل إلى مهمته ودوره بسلاسة.
الثاني : أن دخول الجيش إلى الميدان السياسي في بعض البلدان استمر زمنا مقدرا وأصبح قادة الجيوش جزء من المنظومة الحاكمة ، ظهروا في المشهد أو كانوا في الخفاء من هنا يلزم لعلاج هذه الوضعية قدر من العقلانية ومستوى معتبر من الحكمة.
فالذين يتشبثون بالحقيقتين الأوليين دون اعتبار للطريق المسلوك والوسيلة المتبعة يفسدون على الأهداف الكبرى بسوء التقدير وضعف منسوب الحكمة والذين تأسرهم الحقيقتان الأخريان تحجبهم الحسابات والتقديرات عن الأصول والأهداف .
والأولى الجمع والتكامل فنحرص على ما نريد ونريده على النحو الذي يسمح له بالنجاح.