حصار فلسطين رقمياً!
توفيق أبو شومر
إليكم هذا الإحصاء الجديد من شركة، كومبارتك البريطانية العالمية الرقمية، Comparitech المسؤولة عن متابعة حالة الدول في العالم الرقمي، وهو موقع رقمي مُهم، يوم 6-10-2019: “تقع إسرائيل في المرتبة العاشرة في العالم، من حيث إزالة المحتويات التي تتعارض مع سياستها، فقد أزالت 5500 محتوى إعلامي. وهي في المرتبة الثامنة بين دول العالم، التي تُطالب بإزالة محتويات من موقع الفيس بوك، فقد أزالت 4054 محتوى، وهي كذلك في المرتبة العشرين، بين الدول التي طلبتْ إزالة محتويات شبكة “تويتر”. انتهى الاقتباس.
نجحتْ شبكاتُ التواصل الرقمية نجاحاً باهراً في المرحلة الأولى، وهي مرحلة نشر إدمانها بين الشعوب، فصار ممكناً أن يستغني الإنسانُ عن الطعام مدة طويلة، ولكنه لا يستطيع أن يستغني عن الشبكة العنكبوتية، وصار يَظنُّ أن غيابَه عن الشبكة الرقمية يُعادل الموت!!.
بعد أن تأكدتْ الإمبرياليةُ الرقمية من استعمارنا بالإدمان شرعتْ في تنفيذ خطتها التالية؛ وهي إجبارنا على تغيير مفاهيمنا، وتنفيذ أوامر مالكي هذه الشبكات، ومسيريها، ومخططيها باستخدام سلاح الأرقام الفعَّال!
قبل شهورٍ مضتْ بدأتْ شبكة “فيس بوك” باستعمال خوارزميات رقمية، تتمكن آلياً من تنفيذ العقوبات عن بعد، بحرمان المدمنين من جرعاتهم المعتادة اليومية، فبدأت خطةُ الوسائط الرقمية بالتحذير من إزعاج مالكيها، ثم انتقلت إلى مرحلة الحَجْب المؤقت للمواقع الإلكترونية، ثم الإغلاق الدائم لعدد كبير من الحسابات الرقمية، هذه العقوبات هي بديل للعقوبات التقليدية الشرطية؛ الاعتقال، التحقيق، التعذيب، السجن!
وضعت هذه الشبكات اسم (فلسطين) تحت المراقبة، ثم طورتْ إجراءات رقمية، وفق الكلمات والحروف، وشرعتْ في إغلاق عدد كبير من حسابات الفلسطينيين، وعلى رأسهم الصحافيون الفلسطينيون!
تمكنتْ إسرائيلُ ببراعةٍ من تسخير هذه المنظومة الرقمية، بوسائل شتى، أبرزها شراء الشبكات، والتغلغل في آليات عملها، والإسهام في تعديلها، وشحنها بأفكار إسرائيلية خالصة. ركبتْ إسرائيل موجة الشبكات الرقمية، ونجحتْ في تغيير موقعِها من، مُراقب للشبكات، ومؤرشِف للنصوص، إلى عضوٍ فعَّال، نَشِطٍ، مؤثِّر، ومغيِّر. نجحت إسرائيل أيضا في (غزو) موقع “غوغل” و”ويكيبيديا” مستغلةً إهمالنَا لهذين الموقعين الخطيرين، ونشرت صفحاتها في عشرات آلاف المواقع الإلكترونية، بكل لغات العالم، مستفيدةً من فسيفسائها اللُغوية العديدة!
نحن الفلسطينيين من أكثر دول العالم (استهلاكا) للشبكات الرقمية، ولكننا لسنا مؤثرين فيها تأثيراً مؤسساتياً، لأننا لا نملك حاضنة يمكنها أن تؤثر في الشبكة، وأن تقوم بالتعديل والإصلاح، ثم التغيير، نحن نملك خبراتٍ فرديةً، وكفاءاتٍ قادرةً على التأثير، ولكننا في الوقت نفسه عاجزون عن ترسيخ حقوقنا المشروعة، وهزيمة المغرضين!
للعلم فقط: إن مفهوم النضال الوطني قد جرى توسيعه في عالم اليوم، فأصبح النضالُ الرقميُ نضالاً وطنياً شريفاً، يقع في المراتب الأولى من قائمة النضال الوطني!
إن تعديلَ صفحة عن تاريخنا الفلسطيني في الـ “ويكيبيديا” مثلاً هو نضالٌ شريف، يستحق الاحترام، وتنظيم لوبي إعلامي رقمي للرد على الافتراءات والتشويهات التي يتعرض لها وطننا، هو نضالٌ وطنيٌ من الدرجة الأولى، كذلك فإن استحداث حاضنات للشباب الفلسطيني المبدع، وتعزيز الكفاءات، وتوجيه القدرات، هو أيضا نضالٌ وطنيٌ جديرٌ بالتكريم!
مع العلم، بأن ما تقوم به أجهزةُ المخابرات من مراقبة الخصوم السياسيين في الشبكات الرقمية، واعتقالهم، وتعذيبهم، وسجنهم، أصبح تقليداً غابراً يدلُّ على الجهل بخطورة هذا السلاح الرقمي، وهو أيضاً مؤشر على جهل السياسيين بمفهوم النضال الوطني الصحيح!
“جريدة الايام”