بين سجني هيداله والطاغية “كورونافايروس”: من أدب “لكراعَه”/ الشيخ بكاي
تذكرت في هذا اليوم 25 مارس 2020 ونحن تحت سجن الطاغية “كورونافايروس”، سجن طاغية آخر وضعت فيه مع كثيرين يوم 26 مارس من العام 1984 أي في مثل يوم غد..
في سجن الطاغية هيداله سلمنا التعذيب بعد توقفه للفراغ..
في عهد التعذيب لم يكن في مقدورنا أن نمنع عن أجسادنا أيادي الشرطيين وأقدامهم وأسلاكهم الكهربائية وعصيهم وحبالهم ولا قطع الاسفنج المبللة الموصولة بالكهرباء.. كان الصراخ والغياب ما في المقدور..
أما الفراغ فلم نتركه يقتلنا. قتلناه نحن بالشعر الفصيح والعامي والشاي وأشرطة الموسيقى الجميلة، وبالتعلم والرياضة والصحافة .(كانت لنا صحيفة ووكالة أنباء.. الصحيفة اسمها “أصداء” والوكالة اسمها “الوكالة الحسبية” والاسم مشتق من حسبنا الله ونعم الوكيل..)… لم أكن أبرز صحفي في “أصداء” و”الوكالة” رغم أني حينما اعتقلت كنت مدير تحرير وكالة الانباء الموريتانية.. كنت أشارك بفاعلية، لكن الصحفي الابرز كان حمود ولد عبدي…
وحتى الولايات استورد بعضنا ولايته إلى داخل الهندسة العسكرية: كانت هناك داخل الثكنة “زيرة” قريبة من زنزاناتنا سماها بعضنا تكانت.. كنا ليلا نشرب فوقها الشاي ونستمع إلى الموسيقى..
كانت شلة تكانت تتألف من المرحوم كابر هاشم والداه ولد عبد الجليل وحمود ولد عبدي وأنا… وطبعا كان كل السجناء شلة واحدة..
أستاذنا للرياضة كان الدكتور محمد الامين ولد الناتي، وكان الخليل ولد الطيب يدرسنا رياضة أخرى اسمها “جكت عر”..
كان من بيننا شعراء بالفصحى والعامية.. ومن أبرز ما راج من “لغن” الحقيقي ما يلي:
قبل أن نجمع كلنا في الهندسة العسكرية أرسل أحدهم “ﮔْافا” إلى الجماعة في “نقطة 100 متر” في الهندسة العسكرية:
اشحالك يَنـﮔْطتْ ميَّ واشحال الضيوف اللِّ فيك
واشحال امل ذي الحيَّ ال تمشِ عنك واتجيك
رد آخر:
لباس اعلينَ ماكن / ذا الحال اعل هاك امعنَّ
صمطنا عندو وانزنَّ / شتواس ذَ فعلْ النَّاشيك
فيه اتسعنَ ما كنَّ / نبغُ الاتساع أُلذيك
لگصار أفاو أُ “رمظنَّ” / يغير أفطنْ لا يربيك
خطارْ ابـﮔربتنا شنَّ / وابزازير انظلُّ لفْريك
يعاطَ واشوار الشنَّ / تُكررْ وتَايْ اتصركيك
الكسانْ الَ يشطنَّ / فامر الحـﮔْ ألَّ كانُ ذيك
الناسْ الِّ اتجِ وافطنَّ/ وقت امجيها عايد يلهيك
ننساو الـﮔنَّ ما ﮔنّ / كون أدفع جاوك فيَّ فيك..
ولدت هنا نصوص أدبية رائعة قد أعود إليها وقت الجد ومنها التي يقول فيها المرحوم كابر هاشم:
” خيل النكوص يقودها مسيلمةٌ/ وذا طليحة يستولي على النصب
واستنزلا الوحي من ثديي سجاح ومن/ عصابة الافك والتلفيق واللفق”..
تتلمذت وحمود ولد عبدي على الاستاذ كابر هاشم في فن “لغن”.. حقق حمود نتائج جيدة جدا، إذ يبدو أنه كان مهيئا ليكون “امغني”. أما أنا فقد فشلت فشلا ذريعا رغم أن المرحوم فطن إلى ضعفي ولم يبخل..
خلقنا شخصية خرافية استوحيناها من سيدة تسمى خيدومه، تمشي على عكاز كانت تسكن قرب مدرسة الشرطة التي كنا نُجلَدُ فيها…
وقد كاد لي وللاخ الطالب جدو ولد محمد الامين البعض، ومنه حمود ولد عبدي حيث جعل من هذه السيدة محط اهتمام خاص لي وللطالب لأننا كنا نوصي الشرطيين بإعطائها بعض الغذاء.. وقد اتهمنا نحن حمود ومحمد الحافظ ولد اسماعيل بالاهتمام بها أيضا..
وذات يوم كنت وحمود ننظر إلى المدينة بعد أن سمح لنا الحارس بصعود “الـﮔـريت” (برج يراقبون منه).. قال حمود:
هذي “الـﮔـريت” افذا اليَمْ راهيالك يراعَ
منها يالشيخ الحدْ فمْ/ ما يبعد منها ساعَ
ولأنني لم أعرف بعد هذا البت، هربت إلى “لبتيت” ورددت عليه بكاف وطلعه من بوسوير..
ومن هذا بدأ ما سميناه “أدب لكراعه”..
واصل حمود:
وراه افْيمْ نواكشوط / ول ساحل من شور بوط/ليحية وامن الهيه شوط
تورَ فم الفزاعَ
من فم الين بوط/ خيدومه منت اكراعَ
وكانت “منت اكراعَ” موضوعا لـ”ﮔـطاع” طويل بين حمود ومحمد الحافظ وأنا.. وكان محمد الحافظ شاعرا حقيقيا “امغني “..
قال محمد الحافظ:
وابان الشيخ افذيك بعد المدَّ عاد الا اهدْ
هاك امـﮔافِ والاَّ اعدْ ايامُ ساعَ ساعَ
خايف يسبـﮔْ للناس حدْ/ والشيخ أهرُ ما راعَ
عن ذِ الاخبارْ الا اتـﮔدْ تعـﮔبْ تجبرْ الاشاعَ
فاهل إجيني واجدْ جدْ/ حمود افمنت اكراعَ
داير يترك لُ حد مدْ لكراعْ الْذِ لكراعَ
أنا:
امْسـﮔْرِ حافظ ما اتليت نسمعْ فالحيْ اشاعَ
عن منت اكراعَ ما امشيت أخبرتُ فالساعَ
محمد الحافظ:
مسـَّﮔْر حـﮔْْ أُلا اتشكْ يالشيخ انْ منت اكراعَ
لاهِ فاخْبرْها حدْ مكْ سولْ ﮔْاعْ البداعَ
حمود:
تجلاج الحافظ وانـﮔْارْ / امسنت فيها باشمار
تنباشُ هون افذاوكار/ رايق يسمع الاشاعَ
عن خبرْ الشيخ اليِّ اندار بين أيدينْ البداعَ
من لِيلُ دهرْ ابعيد بار ذاعت بيه الاذاعَ
غير الداير والبيه سار حافظ بيه المناع
اعود الشيخ اكبيل دار الاصحاب افسرُّ اراع
لمشابه ول زاد كاد ما تلحك منت اكراع
عز لفات غار ما عركب ل لكراع
أنا:
ادخلن ظيـﮔَ تايبينْ/ منها لله أطايعين
واندور منكم كاملين/ اتْجَدُّ عن لاشاعَ
إشاعَ كان الطَّامعين/ افروق اكراعْ اكراعَ
يعرفُ عنها ما اتهينْ/ بيها الِّ اسرابْ افْـﮔْاعَ
وانا والطالب حالفين/ يمين امتينْ أُﮔْاعَ
نعطُ لـِﮔْينْ أشاكيين / منْ ظْنْ أنَّ مَنَّاعَ
محمد الحافظ:
حمود الخلطَ طالبين الاقالَ بعدْ أشاكيين
عادُ من ذلِّ واحلينْ كانُ فيهْ ابَّراعَ
وان نعرف ذا الدايرين/ يكان ابمَّنتْ اكراعَ
يبـﮔْاوْ انحن ﮔْابلينْ حمود ابلا نزاعَ
عن منت اكراع كاملين نمش فاشد الطاع
يكانْ الطالب ماه مين يستنفع فالفزاعَ
هو والشيخ اذاك زين/ حت واشبه يُراعَ..
تشعب أدب “لكراع” وكان فرصة تدريب للذين لا يعرفون “لغن”..
خرج حمود من هذه الدورة شاعرا عاميا له شأنه وكتب”اطلع” جميلة في “لبتيت” خصوصا.. أما مستواي في “لغن” فلم يتجاوز مستوى الخليل ولد الطيب في الشعر الفصيح مثل قصيدته العصماء التي كتب ونحن ننتظر محققا عسكريا تابعا للمحكمة الجنائية الخاصة.. يقول الخليل في مطلعها:
“جئ أولا تجئ يا دنبلا فنحن أمامك صناديق مقفلا”
ومن “بوسوير” السجن جاء هذا عن حلم أخرجني منه حمود:
من يامس ما تيت هان / جانِ فالمنامْ
ذاك الْكنتْ ألاَّ انحانِ / ملـﮔْاه افلخيام
شفتُ يخبط لاردينُ وان بالِ لاهيينُ
ردَّاتُ وامَّاشـﮔْينُ ليعاتُ بتْمامْ
واعْدِ بِيَّ واردينُ عينيَّ باكلامْ
لين احْمَيدَ لا اعِينُ وعَّانِ بسْلامْ
وعَّانِ يالله هِّينُ بعْـﮔْاربْ الاحلامْ