في دار الشيخ…الحلقة 3/ ذاكو وينهو ( المرتضى محمد اشفاق)

كانت بيوت تلك الأحياء متراصة خاشعة في وَهَنٍ ، وتآكل سقوف ، تغص بمعمِّرين من شتى الأجناس و الأعمار ، يقهرون بيت الثلاثة نفر لاستقبال عشرة ، ينامون كحصائر الخبز و التصاق الخبزة بالخبزة ، لا تأمن أن يحك جلدك ظفر غيرك حين تعجز يده عن شق الطريق إلى جسمه اللصيق بجسمك وهي تتحسس وخز حشرة في الجانب الأيمن من بطنه .
كلما رأيت اليوم طوابير لدفع الملفات، أو الإدلاء بالأصوات تذكرت طوابير الراغبين في دخول تلك المراحيض القبيحة ، و أهرامات الرجيع البشري ترتفع مع كل زائر كما قال الشيخ حمدن حفظه الله :
رفع سمكها و ما سواها …
عاد أحد نزلاء هذه الأحياء مرة إلى أهله بعد أن استوحش حياة المدائن و استقذر مراحيضها ، قائلا إنه يريد أن يبول في (لخيام )و لتذهب كل حاجاته في انواكشوط إلى جهنم و ساءت مصيرا ، و في الكاراج وجد الناس يخوضون في حادثة السائق الذي سأله السمسار إن كان يرغب في (رَبَّلْ) – انطلاق سيارة النقل بعد الدوام -إلى ألاك وذان مسافران إلى هنالك ، فقال السائق (أتفو بألاك ماهو فالي ماني واعدو) ، لا يقدر خطر الإساءة إلى المشترك ، أما أحد الشيخين فكان يتلو ورده القرآني ، و أما الآخر فكان يحرر حبات سبحته بالاستغفار ، أدخل الشيخ سبحته في جيبه و صفع السائق ليغيب في نوم مبطل للوضوء ..
و رووا أن من بين الحاضرين مسافرين إلى بوكى وصاح شيخ منهم بعد أن استوضح الخبر (انديسان ، هذا ألا كيف هليبه اسكي..)..
روي أن المرحوم المختار ولد داداه قوله في حادثة حاسي بشار إن بومدين لما رأى هدوءه و(ادلبينه)ظنه درويشا لا يستطيع طرد الذباب عن فيه ، لذلك فاجأه ذلك الموقف الصلب و الشجاع من المختار رحمه الله..
في مؤتمر عمد لبراكنه المنعقد في أغشوركيت 90/91 ، و لما يجف بعد حلق الزمان من مرارة أحداث 1989 وحضره عمد الضفة تذكر كلام عجوز بوكى ، وكان الشيخ ولد مكي حاضرا فقال هذه الطلعة التي تصور مستوى نبيلا من عمق العلاقة و روعتها و تجاوزها لفوارق العرق و اللون :
الْكال أولاهي مظنونَ
عنَّ ما نبغو هَلَيْبَ
ولل عنَّ ما يبغونَ
هليب ذَلْكالْ اكْذَيْبَ
هليب هوم قسمتن
من لكور فَوَّلْ مَرتن
ولا يُسَوَّلْ عنْ خُوُّتن
بل العز أُبل الهيْبَ
ولْهُمْ ما عيْبَ عزتن
وانَّ ما عزتهم عيْبَ
دفع العمدة الذي كان ينبغي أن يكرم ثمن سعيه في ترسيخ قيم الوحدة الوطنية فعزلوه من إدارة مصرف شنجيط ، لكنهم لم يستطيعوا أن يعزلوا الشيخ ولد مكي عن مملكة الفن…
ومضات..
عندما تقاعد معروف ولد الشيخ عبد الله عن العمل اعتزل الحياة السياسية ، و انقطع لمحرابه و صَلاته و صِلاته ، آمن أن لكل زمان رجالا ، و أن للوطن الحق في أن ينتفع بخبرة أبنائه ، و آمن بأن للأطر الجديدة من الشباب و أصحاب الكفاءات الحق في خدمة وطنهم ، فلم نره يستفيد من مناصب الوهم ، و المال المتدفق إلى جيوب المتقاعدين تحت عناوين مختلفة ، استشارية ، نيابية ، مجالس إدارية ، لم نره عمدة ، و لا نائبا ، و لا عضوا في مجلس شيوخ ، و لا في مجلس استشاري ، لم نره رئيسا و لا عضوا في مجلس إدارة …
بل لم نره يتعثر في منحنيات أروقة الوزارات و دهاليز المرافق العمومية ، يندب أطلال وظائفه ، و يتوكأ على سمعة أو رتبة أو حصانة قديمة مستتفتحا بها المغاليق ، و كم امتهن بعض من غربت نجوم وظائفهم التسول بالمجد الزائل ، و الوظيفة الآفلة استدرارا لصدقات العطف و الحدب بأيام أدبرت و عز تولى…..
يتواصل إن شاء الله…